حتى نرى جيوش إسرائيل (فعلا) على الحدود، وينازلها الجيش المصري دفاعا عن أرضه، وتظاهر مصر دول صديقة كثيرة "حالها كحالنا ويراد بها مثل ما يراد بنا"، وتنبعث حركات كثيرة قد مهد لها في بلاد كثيرة من العالم العربي والإسلامي، وإذا الشرق الأدنى كله فورة متصلة من الاضطراب العنيف، وإذا نحن وهم جميعا في حاجة إلى سلاح ليس عندنا شيء منه، وإذا الصنائع الجبناء يمدون أيديهم مرة أخرى يطلبون الإنقاذ من بريطانيا وأمريكا وسائر دول الاستعمار، وإذا هذا الإنقاذ نفسه يصبح كالدليل على بطولة هذه الدمى، وإذا المعاهدات تعقد في كل مكان كخطفة البرق أيضا، وإذا الألسنة التي دعت لإلغاء المعاهدة، تقذف الجماهير بالألفاظ الغرارة الخداعة التي استعملت في سنة ١٩٣٦، وإذا الشعب يسكن بعد هذه الجهود المضنية الطويلة، وإذا حرب أخرى تنبعث وإذا جنود الطغاة المستعمرين من كل جنس بين ظهرانينا تغدو وتروح: لها بيوتنا وأقواتنا وأرزاقنا وأخلاقنا ونساؤنا وأبناؤنا وتجارنا وموظفونا، وإذا كل طفيلى من صعاليك الأجانب يصير إلى الغنى بإفقار الشعب، وإذا الحياة كلها متاع لهم وخدم، وتذهب الأموال والأعراض والدماء لكي نعود بعد هذه الحرب الجديدة، إلى المطالبة بإلغاء معاهدة سنة ١٩٥١ (مثلا) التي "استنفدت أغراضها"، والتي "أصبحت غير ذات موضوع"، والتي "كانت نكبة"، والتي "وقعت تحت الضغط والتهديد" إلى آخر ما جاءت به ألسنة الأبطال القدماء الكذبة، الذين وقعوا معاهدة سنة ١٩٣٦.
أنه خطر داهم، فعلى المخلصين في هذه البلوى نظرة الأناة لا العجلة، وأن لا يدعوا قيادة الشعوب إلى جهاد المستعمر تفلت حتى تستقر في يد الأبطال الكذبة، كما أفلتت منذ سنة ١٩١٩ وما بعدها. وليعلموا أن ساعة الجهاد والنزال هي التي نحددها نحن لأنفسنا، لا التي تحددها سياسة الاستعمار على ألسنة الدجالين والكذبة والمنافقين من صنائعها. وطريق الحرية شاق طويل، ولكنه وحده هو الطريق.