للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

زماننا هذا، بَشِع الأمر وقبُح. فإن الناس قد هجروا أدب دينهم، ومروءة أسلافهم، وعلم كتبهم، واقتحموا بالجهالة على الظنون المردية، واستخفهم الهوى حتى أخذوا الباطل وعارضوا به الحق بلا تمحيص ولا رواية ولا فهم. وشابهوا زمن هذه الحضارة الغالبة عليهم؛ فاجترؤا وتهوروا واستغلظوا معاني وألفاظًا يتقاذفونها في ألسنتهم وكتُبهم، وقد نفى الشيطان من قلوبهم كلّ معاني الوَرَع ومخافة العذاب يوم القيامة، حتى قذفوا بالغيب من مكانٍ بعيدٍ، واجترأوا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأوهامهم وأهوائهم فأفحشوا القالة فيهم وفيمن تبعهمِ، بلا معرفة ولا تخوّفٍ، وربّ العالمين ينذرهم فيما يتلون من كتابه: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [سورة الأحزاب: ٥٨].

أفتراهم يحسبون أنَّ الله حرّم عليهم أعراض عبادِه الأحياءِ، وأباحَ لهم أعراض عباده الموتَى، بعد أن أفضوا إلى ربهم بأعمالهم وغيبهم وما قدَّموا من حسنات وسيئات؟ ! ألا فليعلموا أن الميت أولى بأن تكفَّ عنه ألسنة المفترين مِنَ الحيّ، فإنه لا يدفع عن نفسه، وليتقوا عذاب ربهم، فإنّ الذي لا يملك أن يدفع عن نفسه، يدفع عنه ربُّ العالمين الذي أحصى كل شيء خلَقه ثم يحكم بينهم بالعدل وهو العليم القدير.

* * *

وأعود إلى هذا الكاتب الذي طرح لسانه في معاوية بن أبي سفيان وأبيه وأمه، وفي عمرو بن العاص، وفي عامة بني أمية، ووصفهم وصفًا آذاهم بغير ما اكتسبوا. وأنا لن أجادله في صواب ما يدَّعى أو خطئه، ولن أتعرض لتزييف أحكامه وأحكام أشباهه من الطاعنين بألسنتهم في أعراض المؤمنين حتى يخرجوهم من الدين، وينسبوهم إلى التغيير والتبديل. بل أريد أن أعرض على الناس بعض ما يروى، حتى أعرف لم ترك خبرًا وأخذ آخر؟ ولم صدق رواية وأعرض عن أخرى؟ ولم وضع قاعدة في أمر ثم أغفلها في مثله؟

كان مما جعله من سيئات معاوية - رضي الله عنه - في سياسة الحكم توليته يزيد