وصار الدكتور طه حسين أستاذ الأدب العربي في "قسم اللغة العربية" في "كلية الآداب". ولكن لم تكد تمضي سنة على إنشاء الجامعة حتَّى صرنا إلى أمر غريب جدا: لا يكاد يذكر اسم "الجامعة" حتَّى ينصرف ذهن كل سامع إلى "كلية الآداب" وحدها، ثم إلى الدكتور طه حسين وحده، هذا مع أن عدد طلبة "كلية الآداب" كان يومئذ يعد بالعشرات، وكان عدد طلبة "قسم اللغة العربية" من هذه الكلية يكاد يعد على الأصابع. أي أنك تستطيع أن تقول بلا تجوز كثير: أن طه حسين كان عند الناس هو الجامعة، وكان الجامعة عندهم هي طه حسين!
وهكذا أيضًا كنا نراها نحن طلبة كلية الآداب، وقسم اللغة العربية من هذه الكلية خاصة. وبين أن الفضل في ذلك راجع كله إلى الدكتور طه حسين، وإلى ما أثاره يومئذ من صراع عنيف في الحياة الأدبية لذلك العهد. ولا تتوهم أنى أريد بهذا أن أثنى على الدكتور طه حسين، بل أنا شاهد أقرر لك حقيقة كانت مصورة حية في الأذهان منذ خمسين سنة لا أكثر ولا أقل. وهي صورة غريبة قل أن تتكرر. وقد بقيت حية على عنفوانها بضع سنوات، ثم بدأت في الركود شيئًا فشيئا بضع سنوات أخر. حتَّى انسلخت عنه الجامعة واستقلت بصورتها المعروفة اليوم عند الأمة العربية وانسلخ الدكتور طه أيضًا عنها .. وصار هو طه حسين بصورته المعروفة اليوم عند الأمة العربية لا مصر وحدها.
واصبر على قليلا ولا تتعجل. إن هذا السؤال الضخم الَّذي سألتنيه بغتة، كان ينبغي أن أتهيأ للرد عليه أياما طوالا جدا، لأني امرؤ أحب الكلمة المعبرة عن حقيقة المعنى القائم في نفسي، ولكني مع حبى لها أخافها وأتهيبها ويأخذنى عندها من الذعر، ما يأخذ المحمول في يد جبار يريد أن يلقى به في نار متضرمة. ولقد رميتنى أنت في أشد الحرج، لأنى أجد أن هذه الألفاظ القلائل التي حرصت آنفا على أن أؤدى بها شهادة شاهد عيان، لم تبلغ عندي الغاية التي أحسها في قرارة نفسي، وأريد الإبانة عنها.
ويا للعجب! سؤال من سبع كلمات تلقيه علي عفوا، يريد أن يبعث الحياة في صورة غربية مذهلة، مضى عليها خمسون سنة! خمسون سنة بقيظها