بفطرته السليمة إلى التشبث بالحبال الباقية التي تربط بعضه ببعض، وهي اللسان العربي الممثل في الشعر والنثر، لأنه لا أمة بلا لغة، وصار مفهوما واضحا عند الجماهير، أن إحياء اللغة العربية هو إحياء الأمة العربية، وإحياء اللغة العربية وإحياء الأمة العربية هو إحياء البلاد الإسلامية. كان هذا واضحا جدا لمن يريد أن يبصر.
ولكن ثورة مصر .. انفرط عقدها بصدور تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، ويتولى سعد زعلول الوزارة في سنة ١٩٢٤، ولكنها لم تخمد بعد، فكان الجيل الَّذي عاش تلك الأيام يتشبث بلغته، ويقاوم عناصر الهدم الخبيثة التي أطلقتها وزارة الاستعمار البريطاني، وهيئات المبشرين (وهما شيء واحد) ويتولى العمل لها رجال من أهل جلدتنا معروفون بأسمائهم. وفي هذا الجو الَّذي أحببت أن أوجزه لك في هذا الحديث الملهوج أنشئت الجامعة المصرية في سنة ١٩٢٥، وألقى الدكتور طه حسين كلمته "في الشعر الجاهلى" وهاجت الحياة الأدبية كلها في مصر ثم في سائر بلاد العرب والمسلمين. والذي هاج الحياة الأدبية وأثارها هو في الحقيقة ما سماه "المنهج"، والذي ذكر أنَّه أحد مذهبين في البحث بقوله:"نحن بين اثنتين .. أما أن نقبل في الأدب وتاريخه ما قال القدماء .. وأما أن نضع علم المتقدمين كله موضع البحث"، ، ثم يقول هذه الكلمات المفزعة:"والفرق بين المذهبين في البحث عظيم، فهو الفرق بين الإيمان الَّذي يبعث على الإطمئنان والرضى، والشك الَّذي يبعث على القلق والاضطراب وينتهي في كثير من الأحيان، إلى الإنكار والجحود. المذهب الأول يدع كل شيء تركه القدماء لا يناله بتغيير ولا بتبديل، ولا يمسه إلا مسا رفيقا، أما المذهب الثاني فيقلب العلم القديم رأسا على عقب، وأخشى إن لم يمح أكثره، أن يمحو منه شيئًا كثيرًا"، ثم ما انتهى إليه فيما سماه بحثا، إلى أن:"الشعر الجاهلي" أو كثرة هذا الشعر الجاهلى لا تمثل شيئًا، ولا تدل على شيء إلا ما قدمنا من العبث والكذب والانتحال".
هذا نص كلام الدكتور طه حسين بألفاظه، فوضع علم المتقدمين كله موضع