للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحث والإنكار والجحود، وقلب العلم القديم رأسا على عقب، والانتهاء إلى محو أكثر العلم القديم، وبطلان الشعر الجاهلى وهو عماد اللسان العربي كله بعد القرآن والحديث، كل ذلك أفزع القلوب التي كانت تحس وتسمع وترى وتقرأ ما يكتبه أعوان الاستعمار والتبشير يومئذ، فاختلط الأمر، وصار طه حسين عند عامة الناس، واحدا ممن يمثل هذا الاتجاه الَّذي يتولاه فلان وفلان من خبثاء المبشرين الذين يكتبون بالقلم العربي.

لقد لقى طه حسين يومئذ ما لقى، ونسب إليه ما أقطع بأنه برئ منه، والدليل على براءته عندي هو أنَّه منذ عرفته في سنة ١٩٢٤، إلى أن توفي في ٢٨ أكتوبر ١٩٧٣، كان كما وصفته في أول حديثي؛ محبا للسانه العربي أشد الحب، حريصا على سلامته أشد الحرص، متذوقا لروائعه أحسن التذوق، فهو لم يكن يريد قط باللسان العربي شرا، بل كان من أكبر المدافعين عنه، المنافحين عن تراثه كله إلى آخر حياته. ومحال أن يحشر من هذه خصاله في زمرة الخبثاء ذوى الأحقاد من ضعاف العقول والنفوس، الذين ظهروا في الحياة العربية لذلك العهد، بظهور سطوة "الاستعمار" وسطوة "التبشير" وهما صنوان لا يفترقان.

ودليل آخر، وذلك أنَّه حين انجلى غبار ما أثاره طه حسين بكتابيه: "في الشعر الجاهلى" في سنة ١٩٢٦ و"مستقبل الثقافة في مصر" سنة ١٩٣٩، وهما كتابان لا قيمة لهما من الوجهة العلمية، انجلت بعد ذلك نفسه، وناقض به ما كتبه وما قاله كل ما في هذين الكتابين من فساد. ومرد ذلك إلى هذه الخصال التي كادت تكون في نفسه، وفي حبه للعربية وحرصه على سلامتها، وما هداه الله إليه من حسن التذوق لروائع البيان.

ولهذه الخصال الثلاثة، ولمكانه في "الجامعة"، ولمجيئه في تلك الحقبة من حياة الأمة العربية والإسلامية، وللمخاوف التي أثارها بما قاله في الجامعة، يعود الفضل كله في شهرة طه حسين، وفي ارتباط حياته بحياة هذه الأمة العظيمة من العرب والمسلمين، وفي توهج هذه الصورة الغربية المذهلة التي وصفتها لك.