وقرأته، فازددت تعجبا، لأنى رأيته يزداد مع الأيام بعدا عن وضوح الأسلوب ووضوح المعاني، في مواضع كثيرة. ولكن لم تكد تمضي أيام، حتَّى جاء الدكتور زكي يفسر لي، وللناس، سر هذا الغموض في الأسلوب والمعاني، فإنه نشر في صحيفة "الأهرام"(الجمعة ٧ مارس ١٩٧٥) مقالة عنوانها: "نريدها ثورة فكرية"، يدعو فيها الدولة (فيما أظن؛ أو فيما فهمت) الى إحداث هذه الثورة الفكرية ويختمها بقوله:
"شيء في مناخنا الفكرى؛ يردنا عن إحداث هذه الثورة. فما زالت الكلمة المسموعة هي لغير الراغبين في ثورة فكرية كالتي أتصورها، فعليهم أن يراوغوا في التعبير عما يريدون، اجتنابا منهم لوجع الدماغ، تاركين لقرائهم أن ينزعوا المعاني من بين السطور".
وهذا بيان كاف! وإذن فبُعْدُ الدكتور زكي، في هذه الأيام، عن وضوح الأسلوب ووضوح المعاني؛ مرده الى هذه "المراوغة في التعبير عما يريد"، اجتنابا لوجع الرأس والدماغ! وهذا موقف غير مفهوم في الحقيقة، وهو أيضًا موقف غير لائق به. غير مفهوم، لأنه منذ سنوات يقف على منبر لا يزاحمه فيه أحد في صحيفة "الأهرام"، لا، بل يقف هو ومعه آخرون على هذا المنبر غير مزاحمين، بلا حرج عليهم أن يعلنوا رأيهم في صراحة وعلانية. وغير لائق، لأن أسوأ ما تصاب به أمة، أن يكون كتابها وأدباؤها ومفكروها على مثل هذا المذهب البغيض:"أن يراوغوا في التعبير عما يريدون، تاركين لقرائهم أن ينزعوا المعاني من بين السطور"! ! هذا إهدار لكرامة القراء، وإهدار لشجاعة العقل، وإهدار لأمانة القلم. وأي ثورة هذه التي يدعو إليها، إذا كان الداعى نفسه لا يملك إلا المراوغة في التعبير عما يريد! ثم لا يستنكف أن يعلن أن ما يكتبه إنما هو "مراوغة في التعبير". هذا أعجب العجب! هذا موقف غير مقبول من رجل حرفته، كما يقول هو:"هي الأستاذية في الفلسفة؛ التي تقتضيه ألا يرسل القول إرسالا مهملا بغير تحديد"(المعقول واللامعقول ص: ٣٠).
وأنا بطبيعتى أكره هذا الطريق. لا من حيث أنا إنسان عاقل مفكر حر