وذكر قول الله تعالى:{وَعَلَمَ آدَمَ الأَسْمَاْءَ كُلَّهَا}، ثم قال الجاحظ في بيان ذلك:"ولا يجوز أن يعلمه الاسم ويدع المعنى، ويعلمه الدلالة ولا يضع له المدلول عليه. والاسم بلا معنى لغو: كالظرف الخالى، والأسماء في معنى الأبدان، والمعاني في معنى الأرواح، اللفظ للمعني بدن، والمعني للفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معان، لكان كمن رهب شيئًا جامدا لا حركة فيه، وشيئا لا حِسَّ فيه، وشيئا لا منفعة عنده".
فلما وقف صديقي على هذا الَّذي قاله الجاحظ، علق عليه تعليقًا ثائرا مثيرا؛ وملتزما بمذهبه، لأنه وجد ما يؤكده في كلام الجاحظ؛ فقال:
"كان كاتب هذه الصفحات قد أخذته الحماسة المشتعلة ذات حين، معتقدا أن الناس عامة، والأمة العربية خاصة، قد ملأت لغتها بألفاظ لا تدل، وبأسماء لا تسمى، فكانت النتيجة أنهم كتبوا، وقالوا ثم قالوا: لكن حصيلة الفكر أضأل جدا من هذا الدوى الهائل الَّذي أحدثوه. ولقد أورد هذا الكاتب تشبيه "الظرف الخالي" في كتاب صدر له سنة ١٩٥٣ وعنوانه: "خرافة الميتافيزيقا" فأقامت جماعة من الناس ظنت أن في جماجمها ثقافة، وكتب أحدهم، وقد ظن أن أعواما قضاها في أوربة قد زودته بالسلاح المرهف الَّذي يرد به على "الكفرة"، فكان أن علق هذا الرجل على التشبيه بعينه، ليبين للناس إلى أي حد ذهب الضلال بصاحب "خرافة الميتافيزيقا". . . مسكين أنت يا عثمان (١)، يا ابن بحر، يا جاحظ! لو كان حظك قد شدك من زمنك في القرن التاسع (يعني في القرن الثالث الهجرى) لتعيش مع المعاصرين لنا في القرن العشرين"! ! كلام مرير لاذع.
وهذا؛ وإن كان يدخل في "الموقف الثاني" الَّذي لا يعجبنى، إلا أنَّه يدل على مقدار حرص الدكتور زكي على تحليل الألفاظ وتحديدها، وعلى التزامه بمذهبه الفلسفي، وما لقى في سبيل ذلك من الظلم المبرح. فبأي معنى يكون له