إذا أيقظتْكَ حروبُ العِدَى ... فنَبهْ لها عُمَرًا، ثم نَم
فتى لا يبيِتُ على دمنة ... ولا يشربُ الماء إلا بِدَمْ!
"لا يشرب الماء إلا بدم"، هذه حقيقة أخرى أيضا، تستطيع أن تجد عليها الدلائل الكثيرة في تاريخ صراع "الأساتذة الكبار". فالأمر كما ترى تخلُّق منهم بما قال بشار، ولكنه تخلُّق في غير موضع التخلُّق. ولا تحسبنى أريد بهذا الاستطراد أن أبشع إليك "أمر""الأساتذة الكبار" تبشيعا أو أنفرك منهم تنفيرا لا! ليس يعنينى أن تستبشع أو تستسيغ، ولكني أعبر عن نفسي، ثم أقول لك: إني شهدت فأجفلتُ، فعرَفت، ففزِعتُ، فهالنى الأمر، فأنكرتُ .. أنكرت جميع هذه السنن التي كانوا يسنونها لنا في حياتنا الأدبية.
فمن أجل ذلك أجدنى لا أغضب إذا دلنى أحد على خطأ قارفته، ولا أستنكف أن أعترف بخطأ ارتكبته، ولا أستتر من عيب اجترحته. ولا يسوؤنى أن ينقدنى ناقد ظالمًا أو غير ظالم، ولا أعده غضًّا لشأنى ولا وضيعة تحط مني أن يقول قارئ أو كاتب أو ناقد جهارا وعلانية ووجها لوجه: إن كتابى لا يعجبه، أو إنه كتاب لا قيمة له. لم أكتب شيئا قط، وأنا أتلفت يمينا وشمالا، أراقب ما يُعقِبه على كلامي من رضى أو سخط ولم أخط حرفا إلا وأنا على ثقة ويقين من أن الناس مختلفون فيه لا محالة بين قادح ظالم، وبين مادح ظالم يظلمني ويظلم نفسه بالغلو في الثناء. واعلم إذن، إن كنت لا تعلم، أن أحب الأمرين إليّ: أن تنقدنى مخالفا لي، أو مظهرا لخطأ كان مني، أو دالا لي على طريق جُرْت عنه غرورا بنفسي أو اتباعا لهواى. ثم اعلم بعد ذلك أيضا أنى لا أبيت ليلة طاويا ضلوعى على حفيظة تؤرقنى، من إساءة أحد يسئ إلي متعمدا أو غير متعمد.
هكذا كنت، وهكذا كانت سيرتى، ولا ينبغي لي غير ذلك، لأنى منذ قديم، منذ ريعان شبابي، أنكرت سنة "الأساتذة الكبار" وكرهتها مستبشعا لها، كراهة لم تزل قائمة في نفسي، وإن قصر قلمي، أو تورع، في الدلالة على خبثها وبشاعتها وعلى فسادها أيضًا وإفسادها للناس