لن تستقيم لنا حياة أدبية، ولن تصح، ولن يرجى لها صلاح حتى تقوم على قواعد راسخة ثابتة من طلب الحق صرفا، ثم الإبانة عن الحق بلا مداجاة، ثم الإفصاح عن حقيقة ما في النفس بلا مواربة، بلا تخوف، بلا ترقب. القائل بالحق لا يحتاج إلى التنصل من إرادة الإساءة. فإن المخطئ مخطئ وإن جل شأنه، والمصيب مصيب وإن خفي في الناس مكانه، هذه هي الثانية.
أما الثالثة: فجملة قرأتها في كلمتك الثالثة، (الثقافة: مارس ١٩٧٨)، حيث تقول:"إنه لشيء محزن أن يصل (اللدد في الخصومة) حدا يجعلنا نسلب طه حسين أخص خصائصه، ونتجاهل أجمل قدراته، ونصفه بأنه (رجل جاهل)، (ليس له بصر بتذوق الشعر) ". هذا النص كلامك. شيء محزن حقا، ولكن هل هذا صحيح؟
ذكر خبر الخصومة
أنت بلا شك تعنينى، وتعني أنى فعلت ذلك وقلته: فهل تأذن لي أن أقف على كلماتك هذه وقفة، لا يحبسنى عليها ولع بجدل أحسنه، أو صراع عقلي أجيده، كما وصفتني، لا، بل تجلية للحقيقة كما كانت، وكما جاءت في كل ما كتبته قديما وحديثا وذكرت فيه الدكتور طه وهذا لا يضيرك، ولا يفيد أحدا إن شاء الله، وإن كنت أعده مملا! !
ذكرتَ "اللدد في الخصومة" بيني وبين الدكتور طه، ورتبتَ عليه ما رتبتَ، فأحب أن تعلم، قبل كل شيء، إنه لم تكن بيني وبينه (خصومة) قط، حتى يكون فيها (لدد) وأنت الآن تضطرنى الى تعقب هذه (الخصومة) من عند جذورها الأولى، الى أن كتبت كتابى عن المتنبي، ثم ما كان بعد ذلك بيننا إلى أن قضى الدكتور طه نحبه. وهذا الذي ألجأتنى إليه، يقتضينى أن أتحدث عن نفسي ويقتضينى مرة أخرى أن أعيد ما استفتحت به "قصة هذا الكتاب" حيث قلت (المتنبي ١: ١٠، ١١):
"الحديث عن النفس شيء أكرهه، ولكنه يكون أحيانا ضرورة لا غنى عنها. فالجيل الذي يستقبل اليوم هذا الكتاب، لم يشهد تلك الأيام الغابرة، ولا يعلم