عنها علما يغنى أو يفيد. بل لعله يعلم عن هذا الغابر أشياء قليلة، على غير الوجه الصحيح الذي كانت عليه، وإنما اكتسبها الجيل الحاضر من الثرثرة التي تنشر أحيانا في بعض الصحف والمجلات. وقد التزمت في هذا الحديث أن أقص ما لا مناص منه: على الوجه الذي كان، بلا إخفاء للحقائق التي وقفت عليها يومئذ، لأنها هي التي أثرت فيما أكتب، وهي التي كونت رأيي في الجيل الذي عاصرته، وفي آثار هذا الجيل في الأجيال التي جاءت معه أو بعده، متأثرة به أو وارثة له". هذا ما قلته وما فعلته، وكذلك أنا فاعل الآن:
عرفت الدكتور طه عن قرب، وهو يكتب بحديث الأربعاء في صحيفة السياسة (سنة ١٩٢٣، ١٩٢٤) وذلك قبل أن أفارق المدارس الثانوية، واحدة. ثم فارقتها، عند أول إنشاء الجامعة، فكانت له عندي يد لا تنسى يوم تقدمت إلى الجامعة أحمل شهادة (البكالوريا) من القسم العلمي، لألتحق بكلية الآداب، قسم اللغة العربية، وبإصراره هو استطاع أن يحطم إصرار مدير الجامعة يومئذ أو أحمد لطفي السيد الذي كان، كعادته، ملتزما بظاهر الألفاظ ويرى أن لا حَقَّ لحامل بكالوريا القسم العلمي في الالتحاق بالقسم الأدبى، فبفضل الدكتور طه صرت طالبا عنده في قسم اللغة العربية بالجامعة، ثانية. وكان الدكتور طه في السابعة والثلاثين من عمره، وأنا في السابعة عشرة من عمرى، فهو بمنزلة أخي الأكبر، وكان توقير السن، فيما مضى من زمننا نحن، أدبا نرتضعه مع لبان الطفولة، ثالثة. ثم عرفت الدكتور طه عن قرب أشد قرب، كنت طالبا، وكان أستاذا، وكانت هيبة الأستاذية وتوقيرها أدبا ننشأ عليه منذ نعومة أظفارنا، رابعة. وقصصت القصة كلها واضحة في كتابي (المتنبي ١: ١٧ - ٢٦)، ولكن كلمتك التي كتبتها، تضطرنى الآن أن أرجع على نفسي باللائمة. لعلى أسأت العبارة عما أريد. لعلى أوقعت في سياق القصة خللا مضللا. لعلى أجملت حيث كان ينبغي التفصيل. فهل تأذن لي أيها العزيز، أن أجعل القصة أشد وضوحا؟
منذ بدأ الدكتور طه محاضراته في الجامعة، في شأن الشعر الجاهلى، إلى أن