متشعب. وأخيرا سألني: ماذا فعلت في دروس الفرنسية؟ قلت: الآن أستطيع أن أقرأ قراءة مقاربة، وأن أفهم فهمًا لا بأس به ولكني لا أستطيع البتة أن أعبر عن نفسي في الامتحان الشفوي، لا ينطلق لساني. فقال وبعدين يا محمود! قلت الأمر اليك. فأطرق يفكر. ثم قال: إذا كنت لا تستطيع أن تجيب عما تسأل عنه بالفرنسية، فهل تستطيع أن تجيب بالإنجليزية؟ قلت: نعم بلا شك. قال: إذن فعند الامتحان الشفوي تعالى إلي. ولم يزد، وانصرفت. فلما جاء الامتحان ودنا دروى، ذهبت إليه في مكتبه، فأخذ بيدي، وسار بي إلى لجنة الامتحان، ووقف الأستاذ الفرنسي إجلالا له، وبعد تقدمة قدمها قال: إنه يقرأ بالفرنسية ما شئت فإذا سألته عن شيء مما يقرأ، فأرجو أن تقبل منه أن يجيبك بالإنجليزية. وأخذت الأستاذ الدهشة، وبعد تردد ومحاورة قبل، وامتحنني.
فهل ترى، أيها العزيز، في هذا ظلا من (خصومة)؟
* * *
ودارت الأيام وأنا أغدو وأروح إلى الجامعة وجارتي "الغول" لا تفلتني ولا تفارقني، وصليل المعاول وهي تضرب في معنى "الجامعة" يتردد في نفسي، واسمع هدة انهيارها. وبغتة تهاوي كل شيء وهلكت قدرتي على الصبر فانقطعت عن الدراسة واستحصدت (١) عزيمتي على أن أهجر مصر كلها لا الجامعة وحدها، غير مبال بإتمام دارستي الجامعية، طالبا للعزلة، حتى أستبين لنفسي وجه الحق في "قضية الشعر الجاهلي"، بعد أن صارت عندي قضية متشعبة كل التشعب، (المتنبي ١: ٢٤) هكذا قلت.
انقطعت عن الذهاب إلى الجامعة فجأة. لم أر أحدًا من زملائي البتة. وعزمت على أن أسافر إلى مكة والمدينة طلبًا للعزلة، ولم أخبر أحدًا فقط بعزيمتي إلا رجلا واحدا، كان قد أطال المقام في مصر، وصار بعد سفيرا للسعودية، وهو الشيخ "فوزان السابق"، -رحمه الله- كان صديقًا لأبي وإخوتي، وكان يعرفني