للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكبار" (١). وتُسَهِّل من أمره ما كان يَسْتصعب، وبدأ الكبار يستغلون الصغار أيضا، ويدربونهم على السطو الصريح بأساليب تخفي شيئا من معالمه، ودارت العجلة. . ورحم الله أبا العلاء إذ قال:

ولا تُعَلِّم صغيرَ القوم معصيةً ... فذاك وِزْرَ إلى أمثاله عَدَلَكْ

فالسِّلْكُ، ما اسطاع يوما ثَقْبَ لؤلؤةٍ! ... لكنْ أصاب طريقًا نافِذا فسَلَكْ

دارت العجلة، ولم تزل تدور، وجاء جيل بعد جيل، أصاب طريقا نافذا فسلك! واستقر الأمر على ذلك في حياتنا الأدبية إلى اليوم، لا أقول لك في البحث الأدبي، بل في الفن كله وفي الموسيقى أيضا، وفي الإنتاج الأدبي والعلمي بلا استثناء، إلا من عصم الله، وهم قليل.

وليت الأمر وقف عند ذلك القدر من المكر والدهاء في "السطو"! ليته وقف، ولكن انحدر بعد إلى هوة "السطو الحر" وقرارته، (الحر! غريبة، كيف جاءت هذه الصفة هنا؟ ). انحدر إليها بلا قناع، إلا قناع الزمن الذي يُشْدِلُه على أعمال الناس بالتقادم! مثال ذلك: كتاب كان صاحبه يحميه حيا، فلما هلك هلكت معه الحماية، وأسدل الزمن عليه قناعه. يأتي أستاذ فيعيد نشره بنصه كما كان، ولكن عليه اسمه هو، ويرتفع الأمر الى المحكمة، فتحكم بأنه "سطو"، دون أن تلجأ الى خبير من أهل هذا العلم، لأن الأستاذ قد أغنى المحكمة عن إرهاق الخبير! كان سطوا حرا، سطرا سطرا. ثم مات الأمر، وابتلعته حياتنا الأدبية ابتلاعا حرا؟ بلا استنكار، لا باليد ولا باللسان ولا بالقلب. وإذا بلغ الأمر هذا المبلغ. فلا ريب في أن "السطو" الخفي المتقن، الذي يلبس طيلسان الجامعة، أو برد الأستاذية، أو يختال في ثياب موشاة من البحث العلمي = خليق أن يعد عندنا في حياتنا الأدبية، تسابيح عبادة في محراب الفنون والآداب.

من أجل ذلك، لا أجدني منصفا، إذا توقفت عند مقالتك الثانية، وعند


(١) كِبْر الأمر: مُعْظَمه.