للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أستمع الى محاضرات الدكتور طه في "مسألة الشعر الجاهلي"، وكانت هذه القضية قضيتى أنا وحدي، فيما بيني وبين نفسي. ففارقت الجامعة سنة ١٩٢٨ وهي معى حية مبصرة. ثم عشت منذ ذلك الحين زمنا طويلا إلى يومنا هذا، وأنا أرقبها وأشاهد آثارها، وأتتبع وسائلها وأساليبها في كل ما أقرأ أو أسمع. ولكني لم أنصب نفسي لدلالة الناس على هؤلاء الذين يسطون على أعمال الناس بجرأة خارقة، ولا أنا حاولت أن أتعقب هؤلاء فأكشف أمرهم علانية، كان ينبغي أن أفعل، ولكني لو فعلت ذلك، لكان على أن أستهلك أيامى وليالى وعمرى كله، ولأحفيت إذن آلافا من الأقلام في تسطير هذه الخبائث على آلاف من القراطيس والأوراق. لم أصبر نفسي على كشف الأساليب الملتوية البارعة في السطو على أعمال الناس، لأننى كنت يومئذ في شغل عنها، بما هو أجدى على: من تقويم نفسي، ومن تخليصها مما داخلها من الفساد بفساد الزمان الذي نشأت فيه.

كانت "قضية السطو"، فيما قبل سنة ١٩٢٨، تسير على استحياء، وكان ما بقى من أخلاق الناس في الناس، يكف من خطواتها في حياتنا الأدبية. ولكن لما ثارت "مسألة الشعر الجاهلي" في الجامعة، وعلم من لم يكن يعلم أن الذي قيل فيها إنما هو سطر مبين على مقالة مرجليوث اختلف الأمر اختلافا شديدا. فالجامعة وجميع أساتذتها يومئذ، قد علموا علما يقينا أن كتاب "في الشعر الجاهلي" قائم على "السطو" على مقالة مرجليوث بحذافيرها. ومع ذلك، فقد ابتلعت الجامعة وأساتذتها هذا "السطو"، ثم تستروا عليه، لا بل حاطوه بالرعاية وبالعصبية. فكان ذلك إقرارا بالصمت، لهذا المبدأ، فمن يومئذ، أخذ من كان بالأمس يستحي أن يوصم بالسطو، يخلع برقع الحياء عن وجهه شيئا بعد شيء. واستحدث كل منهم وسيلة من الوسائل، وأسلوبا من الأساليب، تجعل هذا "السطو" يبدو ضربا من "التجديد" في دراسة الأدب وفي إنتاج الأدب. وبدأ السطو من بعض "الأساتذة الكبار" تزداد أساليبه خبثا ونكرا، ودهاء ومكرا، يوما بعد يوم، تحت سيطرة "الإرهاب الثقافي" الذي تولى كِبْرَهُ "الأَساتذة