الاستقرار، بل أن مخالفته قد تتخذ في بعض الأحيان أبعادا مؤسفة، كما يحدث في حالات "السطو" على أعمال الآخرين التي ينسبها المرء إلى نفسه دون وازع من ضمير. ومن المؤكد أن حياتنا العلمية لن تستقيم إلا إذا أصبح الاعتراف بفضل الآخرين، حتى في الأمور البسيطة، قاعدة لا يخالفها أحد. وربما احتاج الأمر في البداية إلى قدر من الشدة، بحيث يَلْقَى من يرتكبُ عملا من أعمال السرقة العلمية جزاء رادعا. وبعد ذلك يمكن أن يتحول السلوك العلمي القويم إلى عادة متأصلة في النفوس، فلا نحتاج إلى فرض جزاءات. ولكن النظرة المدققة إلى أوضاع التقاليد العلمية في العالم العربي لا توحي بالتفاؤل، إذ يبدو أن الأجيال الجديدة أقل تمسكا بهذه التقاليد حتى من الأجيال السابقة. ومن ثم فإن الخط البيانى للروح النقدية السليمة، وللأخلاق العلمية بوجه عام، يتجه إلى الهبوط. وهو أمر مؤسف ينبغي أن نتداركه حتى لا تتسع الهوة بيننا وبين البلاد المتقدمة التي يزداد علماؤها تمسكا بالتقاليد العلمية جيلا بعد جيل". هكذا يقول أستاذ من أساتذة الفلسفة بعد مضى أكثر من خمسين سنة على إِنشاء الجامعة!
وأنا أقتصر على هذين الاقتباسين بلا تعليق، فإن ما أسلفته هنا وفي كتابي دال عليه، وصدق أبو العلاء، فإن الجيل بعد الجيل "أصاب طريقا نافذا فسَلَكْ"، وغفر الله للأساتذة الكبار! ! ولكن الأمر أجل وأفحش مما يتصور الأستاذ الحماصى والدكتور فؤاد، كالذي قال الشاعر في هجاء رجل يقال له "الأشنعى":
لَعَمْرُكَ إن الأَشْنَعِيَّ وشَأْنهُ، ... لكالصُّبْحِ، ما يزداد غَيْرَ بياضِ