= والحقيقة الثالثة: إن منطقه في كلامه كله مختل، وأنه يستره بالتكرار والترداد والثرثرة" (المتنبي ١: ١٤٠).
فأنا أقول في الدكتور طه: "لا بصر له بالشعر، ولا يحسن تذوقه على وجه يؤدى إلى كيت وكيت -فصارت العاقبة، عاقبة التساهل:"رجل جاهل لا بصر له بتذوق الشعر" وبالتساهل أيضا صار "التذوق" المقيد بقيد، "تذوقا" جامحا مطلقا بلا قيد، فاكتسح في طريقه أخص خصائص الدكتور طه، وأجمل قدراته"! غفر الله لنا ولك، أيها العزيز.
وقبل أن أسلت نفسي من هذه الثالثة، أحب أن أقول لك: أنى كنت أتمنى أن تصدر مقالاتك الخمس هذه الجملة: "أنه لشيء محزن أن يصل اللدد في الخصومة حدا يجعلنا نسلب طه حسين أخص خصائصه، ونتجاهل أجمل قدراته، ونصفه بأنه رجل جاهل لا بصر له بتذوق الشعر". لأنك لو كنت فعلت ذلك، كان أبين عن طريقك في النظر إلى كتابي وكتاب الدكتور طه، وعن فصلك في القضية بيني وبينه. فالرحي لا تدور إلا على قُطْب، وهذه الجملة هي القطب، فكان تقديمها أولى من تأخيرها، لأنه منك قضاء فاصِلٌ بأنى بنيت ما كتبته على خصومة تحملنى على الجور حملا. هكذا أظن.
ولا أدري، منذ الآن هل تستطيع أن تصدقنى أو لا تستطيع، إذا أنا قلت لك: أنى منذ وقعت في المحنة، محنة "قضية الشعر الجاهلي" ورميت بنفسي في أهوالها التي كادت تفضى إلى الهلاك، لم يعصمنى فيها إلا آية سورة المائدة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. فمنذ خمسين سنة، قذفتنى القواذف في المعمعة، فأنا أخوض الغمرات في قضايا الفكر والنظر وأطأ على أشواك الاختلاف والتناقض، وتتخطفني خطاطيف الشكوك والريب، وأقف على شفا حفرة من النار، لو زلت بي قدم