للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والدربة، وترهفه جودة المعرفة، والصبر على الفهم، والمجاهدة في حسن الإدراك. فبهذا القدر من دلالة اللفظ المجمل المبهم حين نقول "التذوق"، أقول إن الدكتور طه كان حسن "التذوق" للشعر أو لروائع البيان. وبهذا القدر أيضا صار الدكتور طه أديبا كاتبا متميزا من سواه في التعبير عن نفسه، أخطأ أو أصاب، غالط أو استقام، أو جز أو ثرثر، صح كلامه أو فسد، رضينا عن أسلوبه أو كرهناه. فلو صح أن أقول في الدكتور طه: "أنه رجل جاهل لا بصر له (بتذوق) الشعر"، لكان معنى هذا إخراجه من حيزه الذي هو فيه إلى حيز لا يكون فيه أديبا أو كاتبا، أي في حيز من لا يعتد به في الأدب أو في الكتابة. وهذا بلا شك، شيء لا يخطر ببالى، ولا يدل عليه شيء من حديثي عن الدكتور طه في كتابي هذا، ولا في سائر ما كتبت.

فانظر الآن، كيف فعل بنا أتباع سنة "الأساتذة الكبار" في التساهل في التعبير عن أنفسهم أحيانا، وفي نقل ما ينقلون بغير لفظه من كلام غيرهم؟ أنا لست من الأساتذة الكبار في شيء بحمد الله وستره، فأنا أرجو أن لا تُجْرِى عليَّ أو على كلامي سُنَّتهم، وأَجْرِ هذه السنة على كلامهم هم: "فأول راض سنة من يُسَيِّرها". ويحسن هنا أن أضع عبارتى التي أحزنتك، فاستخرجت منها عبارتك الحزينة عن رأيي في الدكتور طه، حين ذكرت المقالات التي كتبتها بعنوان: "بيني وبين طه"، فقلت:

"وحين بدأت أكتب، كنت قد حددت طريقى تحديدا كاملا، وهو أن أواجه الدكتور طه بثلاث حقائق:

= الحقيقة الأولى: أنه في أكثر أعماله "يسطو على أعمال الناس سطوا عريانا أحيانا، أو سطوا متلفعا بالتذاكى، والاستعلاء والعجب أحيانا أخرى".

= الحقيقة الثانية: أنه لا بصر له بالشعر، ولا يحسن تذوقه على الوجه الذي يتيح للكاتب أن يستخرج دفائنه وبواطنه، دون أن يقع في التدليس والتلفيق.