والأستاذ شاكر مولع بهذا الجدل العقلي، مولع بهذا الصراع العقلي. ولقد صرفه هذا الولع في كتابه إلى مجموعة من الأقيسة المنطقية والقضايا العقلية، أخضع الشعر لسطوتها، ليثبت أمورا لا علاقة لها بقضية (التذوق الفني)، مثل علوية أبي الطيب، وسجنه لإظهار هذا النسب، وحبه لخولة أخت سيف الدولة، وترتيبه لقصائد القسم الأول. ثم جاء (التذوق الفني) شيئا ضئيلا على هامش هذه القضايا العقلية. وبذلك أصيب منهج الدراسة بالضمور في جانب، والتضخم في جانب آخر. أما كتاب طه حسين، فعلى العكس من كتاب الأستاذ شاكر، اهتم أولا بالدراسة (الفنية) و (التذوق الجمالى)، وجاءت القضايا الفكرية على هامش هذا (التذوق الفني)، وهو منهج "مستقيم في النقد والدراسة الأدبية".
٥ - ثم قلت:"على أن تصور محمود شاكر (النظرى للشعر) يحتاج إلى مراجعات وملاحظات. فلو تأملنا النصوص التي سقناها في هذه الدراسة من كلامه، لاكتشفنا للوهلة الأولى أنه يتخذ الشعر وثيقة نفسية، يستخرج منها حياة أبي الطيب وطبائعه وعواطفه وآماله وآلامه وأحزانه -كما يتخذ منه وثيقة تاريخية تسهم في تعديل أخبار الرواة القدماء أنفسهم أو تجريحها، أو استخلاص الصدق من نصوصها، ونفي ما زيفه (التذوق). وهذا مفهوم غير خصب (للتذوق الفني)، يحول العمل الأدبي إلى وسيلة لخدمة غاية خارجية. وبذلك يتحول الأدب إلى وثائق تاريخية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو يصبح انعكاسا مباشرا لحياة الناس وأهوائهم ونزواتهم، واصطراعهم في الحياة". انتهى التلخيص.
وهذا التلخيص لا يغنى بطبيعة الحال، عن قراءة المقالة كاملة. وأنا لم آت بهذا التلخيص المخل لكلماتك، لكي أناقشها وأناقش الآراء التي تضمنتها المقالة: بل لأجعل القارئ على بينة صريحة من المحور الذي تدور عليه المقالة وما فيها من الآراء، والمحور كما هو ظاهر، هو لفظ "التذوق الفني الجمالى".
والبلوى، أن لفظ (التذوق الفني والجمالى) عندك، ناشب نشوبا غريبا في جميع أسطر المقالة، وفي جميع الآراء التي تضمنتها، وفي جميع الأحكام التي