للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصدرتها عليّ! والبلوى أيضا أن لفظ (التذوق) عندي أنا، ناشب هو الآخر نشوبا غريبا في مقدمة كتابي "المتنبي"، وفي كثير مما كتبت منذ زمان طويل. والفرق بين لفظى ولفظك، أن لفظى هو دائما عندي عار من كل زينة، (التذوق) لا غير، ولفظك عندك هو دائما في أتم زينة، (التذوق الفني والجمالى). وأنا أخشى أن أقترب من لفظك في زينته، لأنى إن فعلت ذلك، سقطت فجأة في جوف المنطقة الملتهبة، منطقة الجدل والصراع العقلي! فلم أجد لي مذهبا سوى الاقتصار على لفظ (التذوق)، كما استعملته أنا، ولم أزل استعمله.

وواضح جدا أنى ملتزم بأن أقول "التذوق" عاريا، وأنك مغرى بأن تقول "التذوق الفني والجمالى" في أتم زينته. ولا بأس عليّ ولا عليك إن شاء الله، ولكن البأس يحتدم احتداما حين تعد معنى اللفظ العارى، وهو "التذوق" عندي، مطابقا تمام المطابقة لمعنى اللفظ المتأنق عندك، وهو "التذوق الفني الجمالى"، فالتماسا لبركة العلماء القدماء والمحدثين، وتعرضا لنفحاتهم، أسلك مسالكهم في تدبر معنى "التذوق"، ثم لا أمس لفظك المتأنق، إلا بقدر اشتراكنا في لفظ "التذوق". ثم صدقنى أنى لا أفعل ذلك إلا التماسا للبركة وتعرضا للنفحات، واتقاء للفحات اللهب، لا إيثارا للجدل، ولا ولعا بالصراع العقلي، معاذ الله الذي أسأله أن يحط عني وعنك الخطايا.

و"التذوق" مصدر قولك "تذوقت الشيء تذوقا"، ومرده إلى "الذوق"، وهو مصدر قولك "ذاق الطعام أو الشراب ذوقا"، وهذا "الذوق" عمل من أعمال اللسان، حين يلتمس صاحبه تعرف طعم مأكول أو مشروب، وعمل اللسان في تبين طعوم الأشياء المختلفة أو المتشابهة، لا يختلف في ذاته ولا يتعدد. فالذوق، إذن، مصدر دال على حدث (أي فعل) معين متميز غير مبهم. وهو في هذا شبيه بقولنا: "جلس جلوسا" و"قعد قعودا" وأضرابهما. فالقعود والجلوس كلاهما دال على حدث معين متميز غير مبهم: لا يختلف أحدهما أو يتعدد، باختلاف الأفراد الذين يفعلونه، مهما تعددوا واختلفوا.