للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دال على حديث (١) (أي فعل) مبهم غير متعين، ولا متميز، قابل للتعدد والاختلاف والتنوع، أي أنه، كما قلت، كسائر أخواته من الأحداث المبهمة، هي ذات نماء سابغ متوهج، وذات غنى مفعم، وذات ثراء مكنوز -وأنها أيضًا ذات خطر مرهوب، لما فيها من قوة غامضة تجعلها قادرة قدرة مطلقة على تضليل السامع والمتكلم. وقد نشأت أنا في زمن كانت فيه هذه اللفظة "التذوق" شائعة كثيرة الاستعمال في الصحف والمجلات، فتَلَقَّنْتها تَلَقنا وأنا في أول الصبا وخفت على اللسان ونشبت فيه كسائر ما نتلقنه مع الصغر. فكان إبهامها وقبولها للتعدد والتنوع بنمائها وغناها وثرائها يثير في النفس لذة ونشوة واهتزازا ونحن نحاول أن "نتذوق" الشعر والنثر، ثم سائر الفنون الدنيا، كالتصوير والموسيقى. ولكن التفكير في حقيقة "التذوق" ما هو، لم يكن داخلا في منطقة الوعى، ولا غائبا أيضًا عن منطقة الوعى. (استطراد: أرجو أن لا تتذكر أن هناك شيئًا حادثا شبيها بهذا في مسألة "غيبة الوعى" و"عودة الوعى" (٢)، لأننا هنا نتكلم في فن الأدب والشعر، لا في فن التمثيل والتهريج، وأيضا لأن الله عافانى من أن أسلك نفسي في عقد "الأساتذة الكبار"، فلذلك لم أتعلم هذه الفنون لا صغيرا ولا كبيرا، فليس بيني وبينها عمل. وكذلك لفظ "الوعى" هنا، ليس بينه وبين هذا اللفظ عندهم عمل. لا تنس ذلك أيها العزيز).

فمنذ الآن، سأقص عليك القصة كاملة "قصة التذوق"، لأني رأيتك قد جُرت على فيها جَوْرا ما كان ينبغي أن يكون. جور هو أشد من جورى الذي زعمته على صاحبك الدكتور، سأبين لك تاريخ "التذوق" عندي، وبعض معانيه عندي أيضًا، ومنهجى الذي ملكته وطبقته في جميع ما كتبت. ومن خلال ذلك تعلَم، إن شاء الله، إني لم أظلم الدكتور طه حبة خردل في كل ما كتبته عنه أو وصفته به، بل لعلى أسأت أبلغ الإساءة، حين تغاضيت عن كثير مما كان ينبغي أن أقوله فيه قديما وحديثا.


(١) كذا بالأصول، والصواب: حَدَث.
(٢) يشير الأستاذ شاكر -رحمه الله- إلى كتابى الأستاذ توفيق الحكيم، غفَر الله له.