للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لعلك تذكر أنى قد تحدثت في مقدمة كتابى (المتنبي ١: ١١ - ١٥): وقلت إني حفظت "المعلّقات العشر الجاهلية" صغيرا، وإن معرفتى بها لم تزد قط على أن تكون زيادة في ثروة معرفتى بالعربية وبشعرائها وشعرها = وإن قراءتى بعض أصول كتب الأدب والشعر على الشيخ سيد بن علي المرصفي، شيخى وشيخ الدكتور طه من قبلى، نقلتنى من هذا الطور إلى طور آخر، أوغل بي في الحفاوة بالشعر الجاهلي، وفي الحرص على قراءته وتتبع قواصيه ونوادره = وإن قراءتى على الشيخ أوقفتنى على شيء مهم جدًا، شغلنى، واستولى على لبى وعلى نفسي، فعدت أدراجى أقرأ دواوين الشعراء الجاهليين، ديوانا ديوانا، شاعرا شاعرا، ومن لم أجد له منهم ديوانا جمعت لنفسي ما بقي من شعره وقرأت شعره مجتمعا. وهذا المسلك في ترتيب القراءة، جعلني أجد في الشعر الجاهلي شيئًا لم أكن أجده من قبل وأنا أقرأ الشعر الجاهلي متفرقا على غير نظام، مبعثرا بين الشعراء المختلفين: أو وأنا أحفظ هذه "المعلقات العشر الجاهلية"، وإدراسها (١) معاني ألفاظها، مع اختلاف معانيها وأغراضها". (المتنبي ١: ١٤). وهذا الذي وجدته فيه فاستولى عليّ، كان يومئذ شيئًا لا أملك التعبير عنه ولا أحسنه، لأنه كان شيئًا غامضا مستبهما يجول في نفسي لا أكاد أتبين معالمه. فلذلك صار أمر التعبير عنه تعبيرا واضحا متعذرًا على كل التعذر وقلت أصف ذلك: "فما هو إلا "التذوق" المحض والإحساس المجرد. وبهذا "التذوق" المتتابع الذي ألفته مرة بعد مرة، صار لكل شعر عندي مذاق وطعم وشذا ورائحة، وصار مذاق الشعر الجاهلي وطعمه ورائحته بينا عندي، بل صار يتميز بعضه من بعضه (٢) دالا يدلنى على أصحابه" (المتنبي ١: ١٥).

وأنا عند هذا الموضع أتلفت إلى الماضي التفاتة لابد منها. حق لازم في عنقى أن أفرد الفضل كله في تنبهي إلى أول الطريق، إلى شيخى سيد بن علي


(١) كذا في أصول مجلة الثقافة، والصواب: وأدارِسها وأتتبع، كما في مقدمة كتاب "المتنبي" ١: ١٤.
(٢) كذا في أصول مجلة الثقافة أيضًا، والصواب: بَعض، بغير هاء.