من "فمك" ص: ٥٥، ٦٩، ٧٦، على عكس الصيغ المألوفة التي ترد على سبيل المثال ص ١١٩، ٥٠٧. وقد تعجب أيضًا لوجود تعبير عامى مألوف "مافيش فائدة" على هذه الصورة: "ما فيها فائدة"(أي الدنيا)، ص ٤٤٨. وربما كأن هنا إشارة إلى تعبير منسوب إلى سعد زغلول (غريبة هذا علم واسع جدًا! ؟ ) ولكن النص في جملته -بصرف النظر عن المواضع القليلة- نص سهل ومقروء. وهذا أمر يتفق مع ما يقصده المؤلف. لقد طالما وجه اللوم إلى نجيب محفوظ بسبب تمسكه بالفصحى، ولكنه لم يحد عن رأيه أبدا، ولم يحاول أن يجعل منه مذهبا متزمتا (عيب عليك يا نجيب، لماذا لا تحيد عن رأيك! ). لقد وجد لغة الكتابة التي أمامه هي اللغة الفصحى (عجيبه: شوف إزاى)، ووجد من طبائع الأمور أن يستعملها فيما يكتب. والواقع أن استعمال العامية يمكن أن يصدم كثيرا من القراء بدلا من أن يؤثر فيهم تأثيرا مباشرا. إذ ليس من المألوف أن تتناول الموضوعات الجادة. أضف إلى هذا دور الفصحى بوصفها وسيلة التفاهم في العالم العربي كله. ونجيب محفوظ لا يكتب لمواطنيه المصريين وحدهم. وأخيرا فإن اللغة الدارجة تعد في رأيه علامة "على الجهل، وهي لن تصلح للاستعمال في عمل فني يهدف إلى نشر الروح العلمية" انتهى، (ونجيب محفوظ مخطئ في رأيه بلا شك! )(انظر مجلة الثقافة، العدد ٦١، من ص ٢٦ - ٣٤).
وظاهر أن هذا الأعجمي الألماني شديد الحب لنجيب محفوظ، وهو أشد حبا للمصريين، لأنه يريد أن يكون ما يكتبه نجيب عاملا مهما (يشد اهتمام القارئ البسيط ويأسره، ليتمكن بعد ذلك من إثارة تفكيره! ) -لا بل هو أشد حبا للمصريين من سلفه الألماني العظيم (الذي لا أظن أن أحدا يعرف اسمه في بلاد ألمانيا اليوم! ) وهو: "ولهلم سبيتا"، الخبير بتكنولوجيا اللغة في القرن التاسع عشر والذي ألف كتابا يدعو فيه المصريين بالشفقة والرحمة التي في قلبه، ليتخذوا العامية لغة للكتابة والتأليف. و"ولهلم سبيتا" هذا فدائى عظيم، عرض نفسه للمتالف في سبيل مصر! ولذلك قال في مقدمة كتابه: