العربية والدين، حتى برع في جميع علوم المعقول والمنقول، وفاق أقرانه، حتى زاحم شيوخ عصره فباحثهم وجادلهم، وصار معدودا في شيوخ الأزهر وعلمائه المتقنين.
كان مما درسه وأجاده من العلوم المألوفة في الأزهر يومئذ علم الجبر والمقابلة والأعداد الصم والمساحة والحساب. ثم علت به همته فتعلم تجويد الخط بجميع أشكاله وصوره، ثم زاد فتعلم النقش على الفصوص والخواتم على أستاذ كبير من أساتذة عصره، ثم زاد أيضًا فتعلّم التركية والفارسية، وقرأ بهما وأقتنى الكتب المكتوبة بهما، وكانت غير متداولة، وفيها التصاوير البديعة الصنعة الغريبة الشكل كما سيأتي. . .
وجاءت سنة ١١٤٤ هـ، وهو في الرابعة والثلاثين من عمره، وكان قد صار معدودا في كبار علماء الفقه والعربية وعلم الكلام وسائر العلوم المألوفة في عصره، فحدث تحول غريب جدًا، غير مألوف في حياة أمثاله من الشيوخ يومئذ. وإن لم يفارق طريقه في الفقه والإفتاء وإقراء العلوم المألوفة لعلماء عصره إلى آخر حياته.
شيء غريب غريب! ! في الرابعة والثلاثين من عمره، وبلا سبب ظاهر، بدأ هذا العالم الفقيه الجليل يولى وجهه شطر الرياضيات، فكان في زمانه رجل معروف بمدارستها هو الشيخ محمد النجاحي .. فاتجه إليه ولازمه وقرأ عليه ما كان يحسنه من كتب بعينها، وهي كتاب الرقائق للسبط الماردينى، وكتاب المجيب والمقنطر ونتيجة اللاذقى، وكتاب الرضوانية وكتاب الدر لابن المجدى، ومنحرفات السبط الماردينى، و"إلى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي"، كما يقول ابنه الجبرتى المؤرخ.
ولا شك في أن الشيخ حسن لم يكد يفرغ من تحصيل ما عند النجاحي، حتى استقل بأمر نفسه، وأقبل على ذخائر الكتب المحفوظة في مكاتب القاهرة العامرة يومئذ بالكتب، ووقف على أصول كتب الرياضيات وسائر الصناعات بهمة لا تفتر، كما يدل عليه ما سيؤول إليه أمره، ولكن ابنه المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى، لم يحدثنا عن ذلك حديثا شافيا، لأنه كان يومئذ نطفه في صلب أبيه،