فقد ولد بعد ذلك بسنين في سنة ١١٦٨، أي بعد أربع وعشرين سنة. ولكنه قال ما يشعر بذلك وسأسوقه بلفظه:
"وإلى هنا انتهت معرفة الشيخ النجاحي .. وعند ذلك انفتح له الباب، وانكشف عنه الحجاب، وعرف السمت والارتفاع، والتقاسيم والأرباع، والميل الثاني والأول .. والأصل الحقيقي والمعدل، وخالط أرباب المعارف، وكل من كان من بحر الفن غارف .. وحل الرموز، وفتح الكنوز، واستخرج نتائج الذر اليتيم، والتعديل والتقويم. وحقق أشكال الوسائط، في المنحرفات والبسائط، والزيج والمحلولات، وحركات التداوير والنطاقات، والتسهيل والتقريب .. والحل والتركيب، والسهام والظلال، ودقائق الأعمال، وانتهت إليه الرياسة في الصناعة، وأذعن له أهل المعرفة بالطاعة، وسلم له عطارد، وجيمشيد الراصد، وناظره المشترى، وشهد له الطوسي والأبهرى "وهما من أئمة علوم الرياضيات القدماء"، وتبوأ من ذلك العلم مكانا عليا، وزاحم بمنكبه العيوق والثريا".
ولا تشغلك الآن هذه الألفاظ الغريبة عنك، فكلها من المصطلحات القديمة المتوارثة في علوم الرياضيات والفلك ورفع الأثقال والكيمياء، وسائر هذه العلوم، التي هجرها أهلها، ولكنها شغلت دوائر العلم في ديار عدوهم قديما وحديثا وإلى هذه الساعة. والأمر على كل حال ظاهر لا خفاء به.
ظل الشيخ حسن فيما بعد سنة ١١٤٤ دائبا لا يفتر في كشف اللثام عن علوم مستكنة في بطون الأوراق والكتب، فبعد قليل قدم إلى مصر عالم متضلع من العلوم الرياضية والمعارف الحكمية والفلسفية، "كما يقول ابنه المؤرخ"، هو الشيخ حسام الدين الهندى، فنزل بمسجد مصر القديمة "مسجد عمرو بن العاص - رضي الله عنه -"، واجتمع عليه بعض طلبة العلم، فترامى خبره إلى الشيخ حسن في القاهرة، فذهب إليه للأخذ عنه:"فاغتبط به الشيخ وأحبه، وأقبل عليه بكليته". وذلك بلا شك لما وجد عنده من الفهم بعلوم قل أهلها، وبعد عهدهم بها. فلم يزل به الشيخ حسن حتى نقله إلى داره بالقاهرة وأفرد له مكانا، وأكرمه ورفهه، ثم قرأ عليه أمهات الكتب القديمة في الرياضيات والفلك والجغرافيا وعلم