المساحة والهندسة، وسائر علوم الحكمة. وبقي الحسام الهندى عنده إلى أن عزم على الرحلة عائدا إلى بلاده في الهند.
وبعد قليل قدم إلى مصر من السودان، عالم بعلوم الرياضيات والحكمة، على مذهب المغاربة في هذه العلوم، وسكن أولا بدرب الأتراك في القاهرة، هو العلامة الإمام محمَّد بن محمَّد الغلاتى، فحمله الشيخ حسن إلى داره، وقرأ عليه أصول الكتب التي يحسنها في الرياضيات والآلات وغيرها، وبقي عنده إلى أن مات في داره سنة ١١٥٤، وكان قبل موته قد جعله وصيا على تركته وكتبه.
* * *
كانت هذه السنوات العشر، "١١٤٤ - ١١٥٤ هـ"، هي أخطر السنوات في حياة الشيخ حسن الجبرتى، فإنه سلك كل سبيل، وشقى شقاء طويلًا حتى استطاع بذكائه وإصراره وحسن تصوره لما يعانيه، أن يحل لنفسه رموز الكتب العتيقة وألفاظها، وبهذا الجهد والعنت استطاع أن يكشف اللثام عن أسرار العلوم القديمة التي لم يبق في أهل زمانه من يعرفها معرفة تحقيق صحيح كامل، أو قريب من الصحة والكمال. وينبغي أن نعلم أن هذه الكتب العتيقة كانت، بلا شك، هي السجل الأعظم الذي سطرت فيه أبحاث أسلافنا من علماء الحضارة العربية الإسلامية في عصور ازدهارها. فهي تمثل العلم النظرى من ناحية، والتطبيق العملي الذي أدى إلى ظهور أعظم حضارة باذخة رآها العالم الذي نشأت في قلبه وفي زمانه. وهذا التطبيق العملي، هو وليد العلم النظرى، وهو لب الحضارة ومظهرها الحي، وهو ما يسمونه اليوم "التكنولوجيا".
وسترى بعد قليل، أن الشيخ حسن، لما فرغ من حل هذه الرموز التي تضمنتها ألفاظا الكتب العتيقة، دخل بيديه وبنفسه وبتلامذته في طور آخر، هو طور التطبيق العملي. وعسى ألا يكون تطبيقه الجديد هو التطبيق العملي الأول، ولكنه على كل حال، استطاع أن يستوعب أسرار العلم النظرى ومناهجه ويفهمها فهما دقيقا مقاربا للصواب، ثم انبرى بعد ذلك لتطبيقه، منتفعا بالبقايا الباقية في