لا يستطيع أن يفك رموزها لكنه بالإصرار وبالحب وبالجذوة التي تتوهج في قلبه ظل يزداد حرصا على هذه الأشياء ويجمعها.
ثم بعد أن شبّ عن الطوق، رأي نفسه مغرما بحيازة هذه المخطوطات وبقراءتها دون أن يكون قاصدا للعلم، وإنما هي محبة خالصة لهذا الذي يقرأه. فانتهى به الأمر بعد ذلك إلى أن أصبح أخبر الناس بالمخطوطات. عندئذ قرر أن يكون كُتْبيا أو ورَّاقًا. وأنا أشهدكم أن الجيل الذي نشأت فيه، قد اعتمد اعتمادا كاملا في كل فن على ما نشره أمين أفندى الخانجى. كل الكتب القديمة التي نشرها أصول لا يَستغني عنها طالب علم. فكانت صناعته في البحث عن المخطوطات، هي أن يأخذها وينشرها. وفي ذلك الوقت كانت ثروته لا تحتمل أن ينفق على طباعة هذه الكتب، فكان كلما طبع بضعة كتب أفلس. ثم تردد ذاهبا إلى تركيا، إلى أن جاء الى مصر. وبقيت أنا مع أمين أفندى الخانجى في جو أشعر أن هناك ضوءا في قلب هذا الرجل يضئ لي الطريق - لا طريق المخطوطات: بل أضاء لي طريق العلم.
ولي معه تجارب كثيرة، منها تجربتى في كتاب طبقات فحول الشعراء. كان عندنا في مصر جمَّاع للكتب ثرِىّ تُركى لا يقرأ ولا يكتب اسمه طلعت باشا. كان يحب أن تكون له مكتبة كما لفاضل مكتبة، ولأحمد تيمور مكتبة. أنفق على أمين الخانجى ما يشاء، فجال في البلاد العربية، وجاء الى مصر ومعه كتب كثيرة أودعت الآن في دار الكتب المصرية. فحدث أن كان يوم من الأيام، كان معه صندوق فيه ورق دشت فأعطانى منه ورقة. وكنت حديث عهد بالعلم، ولكني كنت أيضا حديث عهد بكتاب طبقات فحول الشعراء لابن سلام، فأخذت الورقة. قال لي:"إيه الكتاب ده؟ " قرأتها، ثم قلت له:"هذه طبقات ابن سلام". وبدأنا نفرز هذا الورق الى أن استخرجنا النسخة التي آلت فيما بعد إلى تشستر بيتى؛ لأن أمين أفندى الخانجى باعها ليهودي كان يشترى منه الكتب، فباعها هو الآخر لمكتبة تشسشر بيتى.
ولي معه قصص كثيرة ولكن هذه قصة تخصني؛ لأني نشرت هذا الكتاب