ثم عقبت على هذا الذي قلته بما يأتي:"قد بينت في بعض مقالاتى أن الدكتور طه قد رجع عن أقواله التي قالها في الشعر الجاهلي، بهذا الذي كتبه في سنة ١٩٣٥، وببعض ما صارحنى به بعد ذلك، وصارح به آخرين، من رجوعه عن هذه الأقوال، ولكنه لم يكتب شيئا صريحا يتبرأ به مما قال أو كتب، وهكذا كانت عادة الأساتذة الكبار! يخطئون في العلن ويتبرءون من خطئهم في السر! ! ".
ثم ذكرت ما قاله الدكتور طه في مفتتح مقالاته التي كتبها ونشرها بعد ذلك في حديث الأربعاء، في الجزء الأول منه، عن شعر الجاهلية، وذكر السبب الذي دعاه إلى كتابة ما كَتَب، وهو ما صاغه في محاورة بينه وبين صاحب له من جيلنا نحن، يرفض الشعر القديم كله، وصوّر إحساس هذا الجيل تصويرا كاملا، ثم قال:"وقد تحدث إليَّ المتحدثون بأن أمثال صاحبي هذا، قد أخذوا يَكْثرون، ويظهر أنهم سَيكْثرون كلما تقدمت الأيام"، فقلت أنا تعقيبا على ذلك:"وصدق ظن الدكتور طه، فقد كان ذلك، وكان ما هو أبشع منه"(مقدمة المتنبى ص ٤١، ٤٢).
ثم سقت شهادة الدكتور طه على جيلنا المفرغ، وما كان من أمره وأمرهم، منقولة من مقالاته في سنة ١٩٣٥، والمنشورة في حديث الأربعاء (في ص ٤٣ - ٤٤) ثم قلت: "وليس من همي أن أفسر هذه الشهادة، ولا أن أوضح مدى صدقها حيث صدق توقع الدكتور طه في تكاثر عدد من وصفهم من "المثقفين" في شهادته. . ولكن الذي يجب على أن أقول إن شهادة الدكتور على اختصارها، إنما هي وجه آخر لشهادتى التي كتبتها هنا، قالها هو من موقع الأستاذيه وقلتها أنا من موقعى بين أفراد جيلى الذي أنتمى إليه، وهو جيل المدارس المفرغ من كل أصول ثقافة أمته، وهو الجيل الذي تلقى صدمة التدهور الأولى، حيث نشأ في دوامة من التحول الاجتماعي والثقافي والسياسي، الذي أشرت إليه آنفا (مقدمة المتنبى ص: ٤٥، ٤٦).