ستكون أحداث، وتتجدد على الناس نوازل، وتسيل الكوارث من كل مسيل، ولكن الشخصية الاجتماعية التي لا تختلف ولا تتدابر ولا تتعادى تستطيع أن تغرس في أيام المحن غرس المجد الإنساني السامي، لتنبت شجرة يمتد ظلها، ويترامى فيئها، ويطيب ثمرها، ولا يكون ذلك إلا بعد جهد ومشقة وعنت، ومصابرة للنفس على لَأْوَاء الحياة التي فرضت علينا أن نتألم، وأن نصاب، وأن يبلغ منا العذاب مبلغًا يُجهد ويؤود.
فهذا أوأن يستطيع الشرق أن يضرب الاستحكامات في أرضه وفي أوطانه بأخلاق سامية عاتية، فيها القدرة على النمو، والقوة على البقاء، وأن ينظم لحياته نظامًا يهدف بغاياته إلى مستقبل يبعد عنه أو يقرب على حياطة تحفظه أن يقع فيه ما وقع في أيام البلبلة الأخيرة التي تبعت الحرب الماضية. نعم، إن الشرق يفقد اليوم زعيمه الذي يهب من جماعاته كالأسد تنفرج عنه الأجمة الكثيفة عاليَ الرأس حديد النظرة، تتفجر القوة من كل أعضائه ولكن، أيمنع هذا أصحاب القلوب الحية التي تشعر بحاجتها إلى هذا الرجل أن تهزّ شعوبها هزًّا عنيفًا متتابعًا، حتى ينفلتَ إلى المقدمة ذلك الأسد الرابض إلى الأرض في قيوده الاجتماعية التي تقعد به عن الحركة للوصول إلى المكان الذي أعده له القدر، ليبدأ بدأه في إعداد الدنيا لاستقبال الدين الذي سيتجدد في الدنيا، لأنه هو سر الدنيا وسر القدر.
إن علينا أن نعمل، فإن كان ما أردناه وما نتمناه، فذاك عز الإنسانية ورضوان من الله، وإلا فقد أدينا ما وجب، ولله الأمر من قبل ومن بعد.