وأباطيل الحاضر، فيمتلك من سلطان روحه ما يستطيع به أن يهدم الأسداد التي ضربت عليه، ويجتاز الخنادق التي خسفت (١) حوله.
لقد لقينا بهؤلاء العنت حين استحكم لهم أمر الناس فتسلطوا عليهم بالرأي وأسبابه، فخلعوا بسوء آرائهم على الشرق ليلًا من الاختلاف لا يبصر فيه ذو عينين إلا سوادًا يختفي إذ يستبين. وكانوا له قادة فاعتسفوا به كل مضلَّة مهلكة تسلّ من قلب المؤمن إيمانه، وتزيد ذا الريبة موجًا على موجه. فلما كتب الله أن يدفع مكر هؤلاء بقوم جردوا أنفسهم للحق، رأوا أن يلبسوا للناس لباسًا من النفاق يترقون به إلى التلبيس عليهم ما حذقوا من المداورة، وما دربوا عليه من فتن الرأي، وما أحسنوا من حيلة المحتال بالقول الذي يفضى من لينه إلى قرارة القلوب، حتى إذا استوى فيها لفها لف الإعصار، واحتوشها من أرجائها، ثم انتفض فيها انتفاض الضرمة على هبة الريح في هشيم يابس.
وقد أقبلت اليوم على الشرق أيامٌ تتظاهر فيها الأقدار على أن تسلم إليه قيادة مدنيته الجديدة بعد طول الابتلاء وجفاء الحرمان، وجاءت مع هذه الأيام فتنٌ يُخشى أن تضرب أوّله بآخره حتى لا يقوم شيءٌ هو قائمٌ، ولا يبقى من أعلام الماضي إلا آثار التاريخ التي تقف شواهد على ما مضى وآيات لما يستقبل. فإذا كان ذلك، فإن الحكمة والحزم والجِد أن نميز الخبيث من الطيب، وأن نختار لأنفسنا قبل البدء، وأن يلي منا أمر القيادة من هو حق صاحبها والقائم عليها والمحسن لتصريفها وتدبيرها وسياستها، وإلا انفلتت من أيدينا حبال الجمهور المتحفز، فانتشر على وجوهه وتفرق، وكأن ما كان لم يكن، وكأن الفرصة قد عرضت لنا لتدع في قلوبنا بعد ذلك حسرة لا تزال تلذع بالذكرى.
إن أكثر هؤلاء الذين وصفنا قد وجدناهم يمدون أعناقهم يتطاولون مرة أخرى للوقوف في مقدمة الطلائع الشرقية، ورأوا -من أجل ذلك- أن يماسحوا الرأي العام على بعض أهوائه وعلى طائفة من أغراضه، ليستمر لهم ذلك المكان الذي