للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. ويلي من نفسي ثم ويلي منها! واعلم أنه ما يكربني أن يلقاني من أحتال له وأصرفه، وإنما يكربني أمر الثريا وهي تقضي الساعات قد ألقى الهَمّ في دمها ناره وفي فكرها ظلمته، ولا والله ما أستطيع أن أحتال لرسول يلم بها فيقول لها بعض ما تسكن إليه.

قال ابن أبي عتيق: فهلَّا حدثتني عنها يا عمر؟ فلقد صحبتك ما صحبتك وما أدري من خبر الثريا وأمرها إلا ما أتسقّطه (١) من حديث الناس. قلت: وما تبغي إلى ذلك؟ أما كفاك ما تعرف من أمر سائرهن؟ وإني لأراك كالمنهوم الذي لا يشبع، فلو كنت مثلي لقلت عسى أن تكون لك في نفسك حاجة، ولكن الله عافاك مما ابتلاني به، فدع عنك الثريا وأخبارها. فورب السموات والأرض وما فيهن ما أمنت على سرها نفسي، فكيف بي إذا بُحْتُ لك؟ قال: إذن فصِفْها لي كيف تراها؟ قلت: أما إنك على ذلك، لشديد الحرص شديد الطمع. وما تبغي إلى امرأة من النساء تسمع من نعتها وحليتها وصفاتها؟ لولا أن كنت اليوم شاهدي لما حدثتك بحرف. يقول الناس: ما فعل الله بابن أبي ربيعة؟ ما زال يمد عينيه إلى كل غادية ورائحة حتى أفضى إلى الثريا، فتعلق منها بنجم لا يناله وإن جَهِدَ. وإنها لعرضة ذلك جمالًا وتمامًا، وإني لخليق أن أفنى فيها نور عيني وقلبي. ويقول الناس: ما الثريا؟ إن هي إلا امرأة دون من نعرف من النساء حسنًا وبهاءً. وقد والله كَذَبَتْهم أعينهم، وإني لبصير بالنساء خبيرٌ بما فيهنَّ، ولئن كنت قد عشت تبيعًا للنساء أنقدهن نقد الصيرفي للدينار والدرهم (٢) فأنا أهل المعرفة أحقق جيادها وزيوفها بأنامل كالميزان لا يكذب عليها ناقص ولا وافٍ.

ما يضيرك يا ابن أبي عتيق أن ترى الثريا أو لا تراها، فإنك لا تراها بعينيَّ، وإنما أنت من الناس تضل عن جمالها حيث أهتدي إليه، وتسألني كيف أراها؟ فوالله إن رأيتها إلا ظننت أني لم أرها من قبل، فهي تتجدد في عيني وفي قلبي مع كل طرفة عين، ولئن نعتها لك فما أنعت منها إلا الذي أنت واجده حيث سِرت


(١) تسقط الحديث: أخذه شيئا بعد شيء.
(٢) نَقْد الصيرفي للدينار والدرهم: تمييزه لما هو صحيح ولما هو زائف.