للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن النساء: غادة كالفنن (١) الغَض يميد بها الصبا وسكر الشباب، لم ترْبُ رَبْوةَ الفارعات (٢)، ولم تجف جفوة البدينات، ولم تضمر ضمور المهزولات، ولم تُمسح مسحة الضئيلات (٣)، ولم تقبض قبضة القصار القميئات، فتمَّ تمامها بضَّة هيفاءً أُملودًا (٤)، خفاقة الحشا هضيمة الكشحين مهفهفة الخصر، تتثنى من اللين كأنها سكرى تترنح. فلو ذهبت تمسها لمَسْست منها نَعمة وليانًا وامتلاء، قد جُدِلَت كلها جَدْل العصب، فهي على بنانك لدنة تُرْعد من لُطفها واعتدالها. وانظر بعيني يا ابن أبي عتيق، تُبصر لها نحرًا كذَوْب الفضة البيضاء قد مسها الذهب؛ فلا والله ما ملكت نفسي أن أعب من هذا الينبوع المتفجر إلا تُقًى لله أن أدنِّسه بشفتين ظامئتين قد طالما جرى عليهما الكذب والشعر. أما وجهها فكالدرة المصقولة لا يترقرق فيه ماء الشباب إلا حائرًا لا يدري أين ينسكب إلا على نحرها الوضاء، يزينه أنف أشمُّ في دقيق العرنين لطيف المارِن (٥)؛ فإذا دنوت إليها فإنما تتنفس عليك من روضة معطارٍ أو خمرٍ معتقةٍ، فاذهب بنفسك أيها الرجل أن تزول عن مكانك كما يقول صاحبنا جميل:

فقام يجر عطفية خُمارًا ... وكان قريب عَهْدٍ بالمَماتِ

ودَعْ عنك عينيها يا رجل، فلو نظرتْ إليك نظرة لَوَجَدْتها تنفُذ في عينيك تضئ لقلبك في أَكنّته مساربَ الدم في أَغْوار جوفك، ولتركتك كما تركتني أسير بعينين مغمضتين ذاهلتين إلا عما أضاءتْ لك في الحياة عيناها. فإذا دنتْ إليك فكُنْ ما شئت إلا أن تكون حيًّا ذا إرادة تطيق أن تتصرف، وذَرْ كل شيء إلا عطر أنفاسها وضياءَ وجهها، وغمامةً تظلل روحك النشوى طائفة عليك بأطراف شعرها المتهدِّل كحواشي الليل على جبين الفجر، وخذْ بنانا رخْصًا مطرَّفًا (٦) كثمار العُنّاب تغذوها يدٌ بضة بيضاء يحار فيها مثل ماءِ الصفا، فلقد قبَّلتها يومًا


(١) الفَنَن: الغُصْن المستقيم.
(٢) الفارعات: الطويلات، أي ليست مفرطة الطول.
(٣) أي ليست صغيرة العجيزة.
(٤) الأملود: المرأة المتثنية الناعمة.
(٥) المارن: طرف الأنف.
(٦) المطرف: مُخَضَّب الأظافر.