للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَدْرَجَة النكبات فإذا جرأة لسانك مدرجَة إلى كل بلاء، وإلا (١) والله لا تفلح أبدًا أيها الرجل.

فلقد اضطرب عليَّ أمري حتى ما أدري ما أقول، ثم سكَّنت نفسي وقلت له: أفرخ روعك يا ابن أبي عتيق، ولتعلمن اليوم دهاء عمر، فأرسل في طلب ابنتي "أمَة الوهاب" والحق أنت الحارث فردّه علي. وانطلق ابن أبي عتيق، ولم ألبث حتى جاءتني أمَةُ الوهاب، فقلت لها: يا بنية! أشعرت أن عمك الحارث قد نزل بنا الليلة؟ قالت: كلا يا أبَهْ! قلت: إذن فانطلقي إلى هذه الغرفة التي إلى جواري وتباكى وانتحبي ما استطعت حتى أنهاك. ففعلت، وجاء الحارث وابن أبي عتيق، فقلت له: جعلت فداءك! مالك ولأمة الوهاب ابنتك؟ أتتك مسلمة عليك فلعنتها وزجرتها وتهددتها، وها هي تيك باكية. فقال: وإنها لهي! قال: ومن تراها تكون؟

فانكسر الحارث كأنما اقترف ذنبًا لا يعفو الله عنه إلا رحمة من عنده، وقال: فما بالك وما كنت تقول؟ فقال ابن أبي عتيق: ذاك هذيان المحموم يا ابن أخي، ولو أنت كنت الليلة إلى جانبه لسمعت من بوائق (٢) لسانه ما تصطك منه المسامع. وإني لأظن الحمَّى هي التي خيلت له حتى أُنطقته ببعض تكاذيبه. قال الحارث: والله لشد ما يغمني أن يدع عمر كل خير في الدنيا، وكل ثواب في الآخرة، وأن يحبط أعماله بما يسول له شيطان نفسه وشيطان شعره، فيهتك عن الحرائر ما ستر الله. ولقد طالما نهيتك يا عمر عن قول الشعر فما زلت تأبى أن تقبل مني، أتراك فاعلًا لو أعطيتك الساعة ألف دينار ذهبًا على ألا تقول شعرًا أبدًا. قلت: قد رضيت! قال: فهي منذ الساعة في ملكك.

قال عمر بن أبي ربيعة: فما أخذتها منه إلا لأهديها إلى الثريا عطرًا ولؤلؤًا وثيايًا من تحف اليمن. أما الشعر فوالله لا أتركه لأحد، رضى الحارث عني أو غضب.


(١) كذا بالأصول، والسياق يقتضي أن تكون: ولا.
(٢) البَوائق: الدواهي.