للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأكفينَّك ما عشتُ. فقال: "جزاك الله خيرًا يا أم جوان أما إذ كذبتي فآيتى أن تذهبي فتستخرجي من جوف حقيبة عمر الحمراء بين جلدها ومفرشها كتابَ عبد الله بن هلال الفاسق بخط يده، قد جعله تميمة لزوجك أن لا يراه أحد إذا خرج إلى مأوى الفتاتين بالطائف، ومعه منديلُ ابن هلال الأزرق ذو الوشى، يمسح به وجْهَه قبل أن يرحل". فما كذبت أن طِرْتُ إلى ما زعم، فوالله لقد صَدَق وبَرَّ.

"قال عمر"، قلت: ما تقولين؟ قالت: صه يا عمر فوالله لقد صدق وبرّ، وقلت له: أيها الشيخ! أفأنت تعلَمُ أين تجد هاتين الخبيثتين؟ قال: لا. قلت: فما تزعمُ فتاتك من أن لا شيء يفعله الخبيث ابن هلالٍ إلا كان عندك خبره؟ قال صدقتْ. قلت: فكيف لا تعلم؟ قال: إنه أخبث وألأم وأضل وأدهى وأقرب إلى إبليس وبنته بَيْذَخْ ذات العرش من أنْ أُطِيق معرفة ما انقطع بيني وبينه. قلت: وما بيذخ ذات العرش؟ قال: إنها ابنة إبليس التي اتخذت عرشها على الماء حولها سودٌ غلاظ يشبهون الزُّطَّ، حفاة متشققو الأعقاب، ولا يصل إليها إلّا من قدّم لها القرابين من حيوان ناطق وغير ناطق، وترك لها من الصلاة والصوم، وقدم إليها من الذهب والفضة واللآلئ حتى ترضى، فإذا فعل ما تريد وصل إليها فسجد تحت عرشها، فَتُخدِمه (١) من يريد وتقضي حوائجه. قلت: وما علمك بهذا أيها الشيخ؟ قال: ذاك شيء قد كان، والله هو التواب الرحيم. قلتُ: قد كان! قال: نعم أما اليوم فلا، وما يأتيني بأخبار اللعين الزنديق ابن هلال إلا صاحب من الجن قد آمن بإيماني، ولكنه محجوبٌ عن الأسرار. فقالت أفلا تكرمني أيها الشيخ فتسأل صاحبكَ أن يحتالَ ليعرف؟ قال: لا أدري! ولكن ائتينى بطستٍ أُناطِقْ صاحبى.

"فأتيته بطست فكبَّه، وأخرج من كُمِّه غلالةً سوداءَ فنثرها عليه، وأَمَر بالفتائل فأطفئت، وطلب جمرات في طبق فلما تم ذلك أخرج عُودًا من المندلى فطيَّر دُخَانه، وجلس حتى وإن عينيه لتبِصَّان (٢) في الظلماءِ، وجعل يتمتم


(١) تخدمه تجعل له خَدَمًا.
(٢) تبصّ: تَلْمَع.