للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويدندن ويُهَمْهِم حتى كدتُ أنشقُّ، ثم قال: يا زوبعة! فإذا صوت يأتي كأنما يخرجُ من جوف بئرٍ شَطون (١) يقول: لبَّيك يا أبا الحسن! وقال: أتدري أين أنا؟ قال: بلى دَرَيْتُ! قال: لقد حضرني من الأمر ما تَعْلم، أفأنت بمُدْركي بمأوى قينتي ابن هلالٍ؟ قال: لقد علمتَ ما لي ببيذخَ طاقة إيماني بالله ورسوله! قال: أفلا تحتال؟ قال: تبًّا لك! أترومني أن أَرتَدَّ إلى الكفر بعد الإيمان؟ قال يا زوبعة! أَمالك مِنْ صديق ترفقُ به حتى تستلَّ منه السرّ؟ قال زوبعة: هذا فراقُ بيني وبينك أيها الخبيث. ووالله ما تركتَ السِّحْرَ إلا وفي قلبِك رَجْعَة إليه. خسئتَ أيها الفاجر! ". وإذا الطستُ يتحرَّك فينقلبُ فأرى كمثل شرارة النار تنطلقُ مُدَّة ثم تخْفَى. قال الشيخ: يا أمّ جوان، لقد رأَيت، ومالي من حيلةٍ. قلت: احتَلْ لي وقاكَ الله السوءَ، ولا والله لا تخرج من هذه الدار حتى تعطيني المواثيق بأن تفعلَ ما أريد. قال: أم جُوَان، وكيف بعذاب الله؟

"قالت كلثم: فوالله ما إن سمعتُ مقالته حتى خانتني قدماي فوقفت أبكي ويرفضُّ دَمْعي كلذْع الجمْر، ورأيت الدُّنيا قد أطبقت عليَّ، وما هو إلّا أن أَنشِجَ بالبكاء. فدنا الشيخُ وأسر إليَّ أَنْ أبْشري أمَّ جُوان، فلا والله ما أدعُك أبدًا حتى يطمئن قلبك، واصبري غدًا تأتيك الصَّهْباءُ. وما أفقتُ حتى رأيتُني كالمأخوذة وظمياءُ تنضَحُ وجهي بالماءِ. وبقيت الليل كلَّه أطويه ساعةً بعد ساعةٍ حتى أصبَحَ الناسُ، وقلبي يجِفُ، ودمعي ينهل، وكأنّ في سَمْعي دويَّ النَّحْل، حتى إذا قام قائم الظهيرة جاءتْ صهباء، فقالت: يقول لك مولاي إنه يَبغِي رَفْرفَين من الديباج، وعشرة أثواب من الإبريسَم، وبُرْدين كذّابين (٢) من الخز، وخمسين لؤلؤة لم تثقب. فما كذّبتُ أن أعطتها ما طلبتْ. وغابت يومين ثم جاءتني مع العشى وقالت: يقول لك مولاي: لو أطاقَ أن لا يكلّفك لفَعَل، ولكن الأمرَ قد


(١) بئر شطون: بعيدة القَعْر.
(٢) الرفرف: البِساط، وكل ما كان مِن دِيباج فهو رفرف. كذَّابينْ: يأتي مفرده أكثر ما يأتي بصيغة المؤنث، والكذابة: ثوب يُصْبَغ بألوان، يُنْقَش كأنه مُوَشى، وفي حديث المسعودي: رأيت في بيت القاسم كذابتين في السقف، لذا أظن أن صواب الكلمة بالتاء، أي مؤنثة.