للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هي قوة الإنجليز نفسها؟ وإذا كانت مصر تخرج اليوم من استعباد خمس وستين سنة، فهل تظن أن الرجال المصريين الذين سيضمهم هذا المجلس، سوف يكونون أو يختارون إلا ممن ترضى عنهم إنجلترا وتقول إنها تستطيع "العمل معهم"؟ هل يظن غير هذا عاقل؟ يا لهذه من سخرية بنا وبعقولنا وبعقول كل من يقرأ هذه السفسطة الإنجليزية! .

أما الأساس الرابع، فإن مصر لم تعترف قط باتفاقية سنة ١٨٩٩ ولن تعترف بها، وهذه المعاهدة تريدنا أن نعترف بها، وتريدنا أيضًا أن نرضى سَلفًا عن أبشع المبادئ التي لا عقل فيها. وهي بتر جنوب مصر عن شمالها. فالسودان ليس أمّة نحن مستعبدوها بل هي جزء من مصر من أقدم عصور التاريخ، وهي أهم لمصر من مصر نفسها بشهادة عقلاء الساسة من إنجليز وغيرهم. ولو فرضنا أن فئة أضلتها الأموال الإنجليزية والوعود البريطانية والأكاذيب الملفقة، قامت من السودان وقالت: إني أريد أن أكون أمة وحدي ودولة وحدي، فهل يُقبل هذا إلا إذا قبلت إنجلترا مثلا أن تقوم إسكتلندة -وبين الإسكتلنديين والإنجليز من الفروق ما لا يوجد مثله بين مصر والسودان- فتقول: سوف أكون أمة وحدي ودولة وحدي. أفترى إنجلترا تقول يومئذ نَعْمَ ونُعْمَةُ عَيْنٍ (١) وتخلى بينهم وبين ما يريدون، أم تخضعهم يومئذ بقوة السلاح وبالحديد والنار كعادتها في كل بقاع الدنيا؟ ونحن ولله الحمد ليس بيننا وبين السودان مثل هذا، بل السودان كله، إلا من طمس مالُ الإنجليز قلبَه، كلمة واحدة على أنه جنوب مصر لا أنه أمة وحده أو دولة وحده. إن مصر لا تستطيع أن تفرط في بتر السودان من جسمانها، فإن في ذلك هلاكها وهلاك السودان جميعًا. فليقلع عن هذا الرأي كل من غفل عن حقيقة الوطن المصري أو الوطن السوداني، فمعناهما سواء.

بقى شيء واحد هو أن إنجلترا قد خرجت من هذه الحرب في المرتبة الثالثة من دول العالم. فإذا جاءت الحرب الثالثة فإنجلترا خارجة منها لا محالة كما


(١) نُعْمَة العين: قُرَّتُها. وما ذكره أستاذنا بعض حديث سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتمامه "إذا سمعتَ قولا حسنا فرُوَيْدًا بصاحبه، فإن وافق قولٌ عملًا فنَعمَ ونُعْمَةَ عَين آخِه وأَودِدْه".