انفجار هذا البارود راجع إلى أسباب أخرى غير الرغبة في التوسُّع. وهو جشع الاستعمار القائم اليوم في هذا الشرق الأوسط والشرق الأدنى والهند. يوم يقع هذا العُدوان فالدنيا كلها ستهبّ هَبة رجل واحد، ولا يدرى أحدٌ منذ اليوم كيف يكون الأمر غدًا وأين تكون مصلحته، فعلام تريدنا إنجلترا أن نتعجَّل، وأن ندخُلَ نحن في حروبها التي ضرَّمتْ نيرانها منذ كانت، وأن نفرض على أنفسنا منذ اليوم قيدًا لعل غدًا يأمرنا أن نعود إلى خلافه حتى لا نكون طعمة للمنصور إذا كانت إنجلترا هي الخاسرة؟ أليس يقول لنا ذلك المنصور يومئذ، لقد قاتلتموني وحاربتموني فأنا أستحلّ دياركم وبلادكم وأقداركم بحكم الفتح؟ فماذا تقول مصر يومئذ؟ ومن زعَمَ أن سياسة الدنيا سوف تجرى غدًا على النهج الذي جرت عليه حتى اليوم، فقد أنكر عقله وأنكر تلك القوى العاملة التي تؤثر في سياسات العالم. ثم لماذا تريد إنجلترا أن تكون قيمة على مستقبلنا ونحن شعبٌ حيٍّ حرٌّ يريد أن تكون بلاده ملكا له ليتوخى لها مراشدها التي ينبغي أن يتوخاها؟ وإذا كان الإنجليز يؤمنون بأن مصلحتنا غدًا ستكون في أن نكون معهم يدًا واحدة، فعلام الجزع إذن؟ أو يظنون أننا نخرج غاصبًا من بلادنا ثم ندعها نُهْبى تتعاورها أيدي لصوص الأمم فلا نؤازرهم فيما نرى أن لنا فيه منفعة وصلاحًا؟ اللهم إن الإنجليز يعلمون أننا على حق في هذا كله وأنهم هم المبطلون، وإنما يريدون بهذا النص أن يمكثوا في بلادنا سادة يستضعفوننا ويمنعوننا أن نفعل في بلادنا ما نريد، أي أن نظل أمة لا جيش لها، ولا مصانع فيها ولا قوة لها، وأن تظل "مجالا حيويًا" لها ولأشياعها وأفاعيها من نفايات الأمم وحثالات الشعوب، وأن يكون وجودهم بيننا معوانًا لهم على تفريق كلمتنا وتشتيت قلوبنا، وأن يظل المصري يحس بهذا الإحساس القبيح الذي يوهن القوى، وهو أنه غريب في بلاده.
أما الأساس الثالث: فهو باطل كله لأنه مبني على الثاني، ولأنه شيء لا مثيل له في تاريخ معاهدات الدنيا كلها، ولأن أخطاره على مصر أخطار موبقة، فإن كلمة القوي هي العليا؛ فإذا قلنا لإنجلترا إننا نرى كذا وكذا، وقال إنجليز هذا المجلس: كلا إن هذا ليس لنا برأي! فمن يكون الفَيصل بيننا يومئذ؟ أليست