أيتها العرب احذري. . . فإذا كنت نازلة في ميدان الحرب الثالثة فانزليها حرة لتموتي حرة، ولكن لا تُلقى بفلذات الأكباد في أتون الحرب المسعورة، ليكونوا هناك عبيدًا ويموتوا عبيدًا، كما تريد المعاهدات الإنجليزية بنا وبأبنائنا وبناتنا وأوطاننا.
أيتها العرب احذري. . . لقد لبثتْ إنجلترا تدس لكم وعليكم وتنشِّئ فيكم أجيالا من الخلق صاروا لها صنائع وأعوانًا، أرادوا ذلك أو لم يريدوه، وعرفوه أو جهلوه، وعين إنجلترا بصيرة نفاذة فهي تختارهم وتمهد لهم، وتحمِلهم بسلطانها وبحيلتها وبتهديدها حتى ترفعهم إلى الذروة التي تجعلهم أهلا للمكانة في بلادهم، ثم لا تزال تعمل هنا وهناك بأنامل بصيرة قادرة متدسسة حتى يتم اختيارهم، فيتولوا هم زمام هذه الشعوب المسكينة، ثم تقول لهم كما قال الأول:
فعِثْ فيما يليك بغير قصدٍ ... فإني عائثٌ فيما يليني
وإذا هؤلاء المساكين الذي ارتفعوا إلى غير أقدارهم ومنازلهم يكيدون لأممهم من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، وإذا سياسة الأمم الناهضة في أيد لا تُحسن إلا العيث والفساد، ومصايرها على ألسنة لا تُحسن إلا التغرير والدهان والممالقة.
أيتها العرب احذري .. ودعى المفاوضة والمعاهدة بينك وبين بريطانيا حتى ترد إليك كل حقوقك كاملة غير منقوصة ولا متهضّمة، فإذا فعلتْ فانظري في مراشدك. أما إذا قال لك هؤلاء: وماذا تفعلين أيتها العرب إذا لم تفاوضي إنجلترا وتعاهديها؟ إذا ألقوا إليك هذا السؤال العاقل الحكيم الذي يفرض عليك أن تتركي نصيبًا من الحرية من أجل كواذب الآمال والوعود، فاعلمي أن هذا التعاقل "الشديد" فسادٌ في الطبائع التي تلقيه عليك:
يرى الجبناءُ أن العجزَ عقلٌ ... وتلك خديعةُ الطبع اللئيمِ