السودان، وأنه قد تجاوز حدود وظيفته من حيث هو حاكم إداري، ومن حيث هو موظف مصري بريطاني معًا! أيكون حقًّا حاكم السودان هو المسئول عن تصريحه، وهو ينسبُ ما يقول إلى الحكومة البريطانية بلسانه! هذا، ومن الغفلة أن يظن ظانّ أن رجلا إنجليزيًا يدير شيئًا من أمور هذه الإمبراطورية يجرؤ أن يتكلم من ذات نفسه بالنيابة عن حكومته ويوقعها في ورطة سياسية كهذه الورطة. إذن أفما كان أولى وأجمل وأكرم وأنبل وأشجع أن يوجه الاحتجاج رأسًا إلى الذي أنطق هذا الرجل بما نطق به وأن يقال لهذه الحكومة البريطانية "المفاوضة" إنك أنت الملومة لا هذا الرجل! ولكن هكذا كان.
فما الذي سيكون غدًا أيها الرجال المدافعون بأقلامكم وألسنتكم إذا جاءتكم لجنة الدفاع المشترك، وجاء البريطاني، ونطق لسانه بما لا تطيقه هذه الأمة ولا ترضى عنه؟ أتظنون أن موقف الرجال المصريين الذين سيختارون ليكونوا أعضاء في هذه اللجنة ممن تستطيع أن "تعمل معهم"، سوف يكون أكرم أو أولى أو أشجع من موقف رئيس الوزارة السابق حيال تصريح حاكم السودان؟ ستقولون كما قلتم: هذا مطعنٌ في الضمير الوطني المصري. . . وكلَّا! ليس هذا مطعنًا، فإن الرجال الذين سيختارون لهذه اللجنة سيكونون ممنِ "صُنِعوا على عين بريطانيا" منذ احتلت مصر في سنة ١٨٨٢ إلى هذا اليوم. ولأن يقال إن هذا الذي نقول مطعنٌ خير من أن تُلقى مصر كلها تحت أقدام بريطانيا وفي تنور حروبها، لتكون دماءُ أبنائها فداءً للدم البريطاني الطاهر المقدس.
* * *
أيتها العرب احذري. . . احذري هذا المصير الذي يرادُ لمصر لا قدر الله أن تصير إليه. ولئن كان هذا يومنا نحن، فغدًا يومكم ليُعرض عليكم مثل الذي عُرض علينا، لتكون لكم "لجنة دفاع مشترك" كلجنتنا نحن، فاحذري أيتها العرب، ولا تقرى بينك وبين بريطانيا معاهدة أبدًا، فإن بريطانيا تريد بجمعكم اليوم على مثل هذه المعاهدة، كالذي أرادته بكم جميعًا يوم وطئت أقدامها أرض مصر في سنة ١٨٨٢، تريد أن تمزقكم بعد أن تكونوا وقودًا لنيران الحرب الثالثة.