وحدها. أما نهر النيل فالزراعة هي قوامُ حياة أهله وسبَب أرزاقهم، والذي فيه من مادة الخِصْب يوجب أن يكون نهرًا للزراعة واستصلاح الأراضين البور التي تَحُفُّ به من شرق وغرب.
وأما الخامسةُ فهي أن إقامة السدود على نهر الدانوب لا يمكنُ أن يرادَ بها إلحاق ضَررٍ بالأرضين التي تقع على مُنحَدره، فإذا أرادَ ذلك مُرِيدٌ وعزمَ على أن يضر بلد بمنع ماءِ الدانواب عنه فقد وقعت الواقعة بين ستِّ دُوَلٍ كُلها متأهب للحرب في سبيل ردّ هذا البَغْي. فهو كما ترى أمر مستحيل بطبيعته.
وهناك قول كثير ولكنْ حَسبُنا هذا لمن يريد أن يَفْهم فهمًا، لا أن يردّد الأقوال ترديد الببَّغاوات التي تُبَاع وتشترى للأغراض الخبيثة التي تريدها إنجلترا بهذه الببغاوات المسكينة. فهذه المقابلة السخيفة بين مسألة الدانواب ومسألة النيل لا تدلّ على شيء إلا على جَهْل الناطق المردّد لها، ولا تقوم حُجّة إلا على خُبث النيَّات التي أخذت تندسُّ لتفرِّق أوصال هذا الوادي وتزايل بين روابطه التي لن تنفصم، بإذن الله.
ونحن نحمد الله على أن الأحرارَ أهلَ السودان ليس لهم برأي أن يقطعُوا أَرحامَهُم، ويُخربوا بُيوتهم بأيديهم، ويمزقُوا هذه الوشائج الممتدّة من أقصى عُهُودِ التاريخ إلى يومنا هذا. فنحن نسوق الحديث إلى هذه الببغاوات التي تنتسب إلى الشعب الأبيّ الحرّ لعلها تفيء إلى الحق، وإلى الذين يهادنون في الحق الأبْلج (١) مخافة أن يقالَ إن مصر تريد أن تبسط سلطانها على السُّودَان في زمن تنادى فيه الأمم بالحق الأبلج أيضًا في تقرير المصير. ولولا أن هذا كله تدليس خفيٌّ يُراد أنْ تروّعَ به القلوبُ، ثم يتغلغلَ خُفْية إلى معانٍ بعيدة يراد بها قتل السودانِ ومصر جميعًا، لكان الردّ عليه هو إهمالُه وازدراؤه.
إن هذا النيل الجاري بين الصحراء الشرقية والصحراء الغربية من أقصى الجنوب إلى أدنى الشمالِ يُوجِب أن نكون أمةً واحدةً، فليس مثله كمثل