في مقام الاحتجاج، ويخرجُ من هذا إلى أن السودان ينبغي أن يكون أمّة وَحْدَه، وأن مِصْر أو أثرياء مصر! "ينصبون فخاخًا تخفى أغراضهم الحقيقية ببراعة بالغة خلف الثوب اللامع من الدين واللغة والتاريخ، وهو الثوب الذي اصطنعوه بأيديهم". هكذا قالت الببغاء التي يزعمون أنها رئيس تحرير جريدة النيل وعضو في وفْد حزب الأمة في لندن لهذا التاريخ!
فهذه الببغاء تجمع إلى نقيصة الترديد والتقليد نقائصَ كل واحدة منها شرٌّ من الأخرى هي الجَهْلُ بمعنى ما يقول، والكذب على أهل السودان، والجرأةُ في التهجُّم على الناسِ بما ليس يعلم، والتدليسَ في التاريخ، والعبثُ بمصير أمّته المصرية السودانية، وشرُّهن جميعًا ما يلوحُ في خَبِئ كلامِه مِنَ العَدَاوة البغيضة التي يؤرثها هو والمستأجرون من أمثاله بين مصر والسودان.
وقِصّةُ هذا الدانواب الذي يحتج به ذلك الإنجليزي ثم احتجَّت به الببغاء الملقَّنَة، قِصَّةٌ فاسدة المبنَى والمعنى، والإغماضُ في الاحتجاج بها دالٌّ على ضيقِ التصوّر وقلة العقْل وجُثُومِ الجَهْل في جمجمة قائلها. فهذا النهر ينحدر من منابعه في بادن مخترقًا ألمانيا ثم النمسا ثم هنغاريا ثم يوغوسلافيا ثم بلغاريا ثم رومانيا حيث ينتهي إلى مصبّه في البحرِ الأسودِ، فهو مشترك بين ست دُولٍ كُل واحدة منها لها خصائصها، حتى يبلُغ التباين بينها مبلغًا ليس بعده شيءٌ، في اللُّغة والعادات والآداب والتاريخ وأسباب الحياة كُلها تقريبًا. هذه واحدة.
أما الثانية فهذا النهر واقِعٌ في قلبِ أوربة، وهذه الدول كلها قائمةٌ على حِفافَيه متاخمة لدُوَل أُخرى تُحِيط بها شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، فهو ليس نهرًا في صحراء جرداءَ كما نرى في نهر النيل الذي يحده من الشرق صحراء، ومن الغرب صحراء ومن الشمال بَحْر ينتهي إليه مصبه، وفيه دلتا مصر.
وأمّا الثالثة، فهو أنه ليسَ نهرًا تقوم على جوانبه الزراعة في خطٍّ ضيّقٍ في بلدٍ واحدٍ كالذي تراهُ في نيل مصر والسودان، بل لعلّ أكبر فوائده هي النَّقْل لا الزراعة وحدها.
وأما الرابعة فهي أن هذا النَّهْر يمرُّ في دُوَلٍ ستٍّ قوامُ حياتها الصناعة لا الزراعة