للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هذه القوى الطبيعية المكنوزة في أرضه وجباله وسمائه. وهذه القُوَى هي التي تجعل لصاحبها السيادة العليا على الذي يستمدُّ من فضلها. فمصر تستمد من قُوى السودان جزءًا يسيرًا وهو الماء، وتستمده برضى أهل السودان ومسالمتهم وأخوَّتهم، فمن العبث إذن أن تدَّعى مصر "سيادة" على السودان، بل الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن سيادة السودان هي العليا، وأن مصر جزء من السودان، وهو جزء عظيم خصب صالح للاستثمار في الزراعة وغيرها استثمارًا عظيما، فمن مصلحة السودان أن يُفْضِل الماء على هذا الجزء لتزدهر زراعته وحضارته ويكون للسودان ذخرًا من القوة يضارع القوة التي فيه. والسودان محتاج إلى هذا الإفضال لأن المنطقة الصالحة للزراعة في مصر أعظم وأجدى من المنطقة الواقعة في الجزء المعروف اليوم باسم السودان. ومن هذا تعرف كيف دبَّر الله لهذين الشطرين العظيمين أن لا يجد أحدهما مَنْدُوحَة تغنيه عن صاحبه، وتفرض على كل واحد منهما أن يتشبث بصاحبه، فإذا تنابذا وتنافرا وتدابرا وتقاطعا، حاق بهما جميعًا ما يحيق بكل أخوَين متنابذين متدابرين، وهو الهلاك والضياع الذي تُخاف مَغَبتَه.

وأنا لا أظن أن في الدنيا شيئًا هو أوضح للعقل السليم من هذا الذي ينبغي أن يكون بين مصر والسودان، أي الحقوق الطبيعية التي يفرضها وجود هذين الشطرين المتجاورين: شطر لا بقاء له وحده وهو مصر؛ وشطرٌ هو القوَى الكامنة التي تعطى البقاء للشطر الأول، وذلك هو السودان. والشطر الأول منهما "مصر" هو الذي مهد الله له سبيل القوة والتاريخ والعلم فكان في الوجود أسبق الشطرين إلى قيام الدولة فيه، والشطر الآخر باقٍ ساكنٌ قار. . . شيخ وقور رزين لا يفارق خَلْوَته إلا بسيب من العطايا والمنح التي يرسلها إرسالا إلى الشطر الأول ليحيى ويقوى ويكون سلطانًا في أرضه، وتاريخًا في الزمن، وحضارة في العالم، ولكن الشيخَ هو سرّ السلطان والتاريخ والحضارة - هو السودان. وذلك حسْبُه.

وقد كتب الله لمصر أن تكون كما هي الآن، وأن تكون دولة في الدول لها سلطان ظاهِر ولها عمل في بعض السياسة، ولها آمال في تحرير نفسها وتحرير العرب وتحرير الشرق من بُغاة الاستعمار في أوربة وأمريكا وروسيا، فكيف يجوز