وإذن فالذي يقيّد الأكثرية، ويؤيدها هو حق الشعب وهي بحرصها على هذا الحق تسمى أكثرية لا بغيره. فلو جاءت الأقلية وفعلت ما يدل على أنها حريصة على هذا الحق الطبيعي المتوارث الَّذي لا يمكن حكومة أن تتنازل عنه لأحد، فهذه الأقلية بمنزلة الأكثرية، لأنها هي المطالبة بالحق الطبيعي، وهذا شيء بيّنٌ واضح، اللجاجة فيه شهوة وعبث.
أو ليس عارًا أن يكتب المرء مثل هذا لقومٍ كان لهم جهاد في سبيل بلادهم؟ إنَّه لعار. ألم يكن لهؤلاء أسوة حسنة في سورية ولبنان حين وقفت صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص، على ما كان يومئذ من اختلاف أشد وأعنف من اختلاف رجالنا؟ بلى قد كان.
أيها الرجال! إن العالم كله ينظر إلينا، وإن قلوب الشرق كله تخفق إشفاقًا علينا وحبًّا لنا، وإن الأمم الجريحة التي مزق الوحش البريطاني أوصالها قد كفَّت عن الأنين لتسمع صوتكم وهو يُدوِّي في جنبات الأرض لتنسى عندئذ آلامها وأوجاعها، وإن فلسطين -وآه لفلسطين- إن الجزع ليأكل قلوب أبنائها مخافة أن تزل أقدامنا، وهم قد ناطوا بنا رجاء قلوبهم. فرفقًا أيها الرجال ولا تخذلوا شعبًا مجاهدًا كتب عليه أن يقاتل أنذال الأمم.
أيها الرجال! لا يغرنكم هذا الوحش البريطاني، فإنه يضرب بقوامه وهو كالصريع فذَفِّفوا (١) عليه باتحادكم، وأجهزوا عليه بتناصركم، وانسوْا ما مضى وخذوا عُدَّتكم للذي سيأتي، فإنه النصرُ لمصر والسودان بإذن الله مذِلِّ الجبابرة، ومُرْغم الطغاة الغادرة، وناصر الأمم المتآزرة.