للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأما أعجبُ العجبِ: فهو أنهم نسوا ما تُلاقي فلسطين على يد البريطانيين اليوم، من إرخائها الحبْل لنذالة الإرهاب اليهودي ومعاونتها في هجرة اليهود بأساليبها الخدَّاعة، واحتمالها في ذلك الأمر ما لم تكن تحتملُ قليلا أو كثيرًا من مثله حين ثارتِ العربُ على ظلمها وبغيها وعدوانها هي وأشياعها من يهود. وهل ننسى، نحن العرب، لم وعدت بريطانيا شُذَّاذَ اليهود الذين ضربَ الله عليهم الذلة والمسكنة، بأن ينشئوا في فلسطين وطنًا قومًّا، ثم معاونتهم لهم في ذلك، ثم إغضاءَها عن جشع اليهود بعد ذلك وطلبهم إنشاءَ "دولة يهودية" تقوم في قلب الأوطان العربية التي تحيط بها من كل ناحية؟

إن الوساطة لا تكون حقًّا إلا حين تتوسَّط بين شريفين كريمين يُحْسِنان تقدير الوساطة. فما الَّذي رأته سورية ولبنان وسواهما من الشرف والكَرم في تاريخ بريطانيا في بلادِ العرب حتَّى تركب هذا المركب الوعر؟

الجواب: لا شيء، بل النقيضُ هو الصحيح.

* * *

وأنا لا أكتب هذا عتابًا ولا ملامةً، فأنا لا أشك في أنهم جميعًا إنما أرادوا الخير، وظنوا الخير، وعملوا للخير، ولكن غير ذلك كان أولى وأدلَّ على فهم الحقائق.

لقد وقعت الحربُ العالمية الأولى (١٩١٤ - ١٩١٨) فإذا الشعوب العربية فِرَق مقطَّعة بين الدولتين الباغيتين فرنسا وبريطانيا، وكان رأي العرب مفرَّقًا ضائعًا في فوضى الاضطراب الَّذي أعقبَ الحرب، ومع ذلك فقد قامت الثورات في كل مكان مطالبة بالحقوق الواضحة التي لا جدال في وضوحها، فأنكرتها علينا بريطانيا وفرنسا، ولكنَّا مع ذلك ثُرْنا وبقينا نثور في كلّ مكانٍ.

ثم جاءتنا الحرب العالمية الثانية، فإذا رَأْى العرب مُجْتمعٌ غير مفرَّق كما كانَ بعد الحرب الماضية، وبدأنا نثورُ فإذا الثورات قد خمدت بعد قليلٍ، وإذا نحنُ نوشِكُ أن نتفرق بعد اجتماع. ولعل هذا رأي غريبٌ مع ما نرى من قيام الجامعة العربية، ومن تصريحها في مناسبات كثيرة بأنها تؤيد مطالب مصر