وتجاوزي عن خطيئتي، ويوم يخلع الشباب المصري السوداني من فتيان وفتيات كل الزينة التي أضفتها عليهم مدارس الليسيه الفرنسية، وفكتوريا الإنجليزية، والمدارس الأمريكية، ويخرجوا إلى أهليهم خاشعين خاضعين نادمين يعتذرون من الآثام التي ألموا بها أو قارفوها في حق بلادهم وفي حق آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم وأسلافهم وأعقابهم.
بل يوم يخرج المهدي عن أمواله لمصر والسودان، ويعفر وجهه في ثرى النيل الأعظم، ويستغفر الله مما كسب من الإثم في حق مصر والسودان، أرض آبائه وأجداده، بل في حق أبيه الَّذي لم تتورع بريطانيا عن إهانة عظامه وهو ميت لا يملك دفعًا عن نفسه.
إنه يوم الجلاء الأعظم -يوم يقف كل مصري سوداني أيامه وساعاته للتكفير عما فرط منه، ويوم يعمل جاهدًا في إزالة كل أثر للاحتلال في نفسه، ويوم يخرج إلى الطريق ليميط الأذى عنه استعدادًا لمقدمِ الأجيال الحرة التي ترث أرضًا طاهرة لم تلوثها غفلة القرون الماضية أو ضعفها أو استكانتها أو رضاها بالذل والمهانة طمعًا في مال زائل ومجد حائل.
إنه يوم الجلاء الأعظم، يوم لا يسمع ثرَى مصر لسانًا أعجميًا من أهله أو من غير أهله ينطق بغير اللغة التي ينطقها الشعب المصري السوداني، ويوم لا يخرج المصري السوداني فتتحداه تلك الطوائف من شذّاذ الأمم ناطقة بغير لسانه وساخرة من لسانه.
إنه يوم الجلاء الأعظم، يوم يستطيع المصري السوداني أن يقف على ثرى أرضه مطمئنًّا لأنه حرٌّ من أحرار، وينظر حوله متلفتًا يمنة ويسرة فلا يرى إلا وجوهًا عربية وبلادًا عربية تضم الأحرار أبناء الأحرار.