أديم هذه الأرض؟ وأنهم لا يخالطون أحدًا ولا يخالطهم أحد؟ وأنهم رجال مقنعون بالأثواب الجامعية من فرع الرأس إلى أَخمص القدم، فهم عمى لا يبصرون إلا نور العلم، وصم لا يسمعون إلا نداء الحقائق الخالدة في الفلسفة؟
كلا كلا! إنهم يسمعون ويبصرون، ولكنهم لا يريدون أن يبينوا عما يسمعون وعما يبصرون، فإذا أبانوا فلن يبينوا عن الحق، بل يبينون عن خلافه مما سمعوه من أعوان بريطانيا وأشياع يهود، ويطعنون فينا كل طعن، ولا يرون بأسًا من تعظيم أخطائنا وإخفاء صوابنا أو حقنا. بل يمنون علينا أن فعلوا لنا وفعلوا، وهم يعلمون علم اليقين أننا لو قد كنا أحرارًا في بلادنا لفعلنا لأنفسنا ما لا يستطيعون هم ولا سواهم أن يفعلوه لنا.
ثم فليخبرونا: أنحن الذين يجب علينا أن نتولى الدعاية لبلادنا في بلادهم؟ أيجب علينا أن نذهب إلى الحكم العدل الَّذي يرسل إلى بلاد الله سوانا من يعرف خبايا أسرارها، فنقول له بألسنتنا إن حجتنا كذا وكذا، وفضائلنا كذا وكذا، ونعدد له مناقبنا ووجوه حقنا ومظالم عدونا، فإذا به يسمع لنا ويقنع بما نقول نحن، وينسى كل ما تقول بريطانيا واليهود، وإذا الرأي العام الأمريكي قد أصبح معنا! !
كلا ليس هذا بمنطق ولا حق، بل الحق هو أن الحكم العدل هو الَّذي يجب عليه أن يتتبع حقائق القضايا ويرسل رجاله ورجال صحافته ليعرفوا ويسألوا، ويجب عليه أن يطالب المقيمين من أهله في بلادنا أن يقولوا الحق غير متجانفين ولا باغين ولا تابعين للأهواء والعصبيات، وأن يتولى هو وصحافته بيان الحق في ذلك كله حتَّى يستطيع أن يحكم بالعدل، وإلا كان حَكَمًا لا يصلح للحُكْم.
أما دعاتنا الذين يحرضوننا على "الدعاية" لأنفسنا في بلاد الحكم العدل، فليعرفوا أن الصحافة هنا لن تقبل منا أن ننشر ما نشاء إلا أن ندفع عليه مالا كثيرًا، وهم ينشرون لنا على أنَّه "إعلان" لا أكثر ولا أقل، وأن القارئ سوف يقرؤه على أنَّه إعلان لا أكثر ولا أقل. فإذا كان لنا أن نرجو خيرًا من الحكم العدل، فهو يوم يلين قلبه ويرق ويشعر أننا أهل لأن ترفع عنا المظالم، ويومئذ يرسل إلينا من يسألنا