للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العالم أن يرسل إلى فلسطين رجالا من أهل سياسته، ورجالا من أهل صحافته ليدرسوا وينبشوا وينقبوا ويكشفوا خفايا الدسائس اليهودية والبريطانية كما يفعلون في روسيا وفي أوربة وفي سواهما من بلاد الله. وليس يقول أحد وهو يَجِدُّ إن هذا الحكم العدل يجهل قضية مصر والسودان، فلو كان حقا يجهلها لفعل مثل ذلك حتَّى يتاح له أن يقف على أسرار هذه القضايا ليحكم بين الناس بالعدل والقسطاس مادام مصرًّا على أنَّه حكم عدل لا يبغي من وراء عدله إلا إقرار الحق وإزهاق الباطل. ولو فعل لرأينا الصحف في بلاده تملأ الدنيا عجيجًا وضجيجًا وبحثًا وتنقيبًا وكشفًا عن خفايا السياسات كما تفعل في مسائل روسيا وأوربة.

لا، بل أكثر من ذلك أن لهذا الحكم العدل رجالا طالت إقامتهم في مصر والسودان، وفي فلسطين والشام، منهم رجال الصحافة ومنهم رجال الجامعتين الأمريكيتين ورجال المدارس الأمريكية، ومنهم رجال الشركات ومنهم غير هؤلاء ممن يُذْكَرون بأسمائهم ومن لا يُذْكَرون. فماذا يفعل هؤلاء جميعًا؟ أي معروف يسدونه إلى البلاد التي طالت إقامتهم بين أهلها فعرفوهم وخبروهم؟ أليس فيهم إنسان واحد فيه قدرة على أن يعرف خفايا الدسائس اليهودية والبريطانية في بلاد مصر وبلاد الشام وفلسطين؟ أليس لأحد منهم لسان ينطق بالحق دفاعًا عن أمم يكتم الاستعمار حقها ويبطش بها بطشًا وحشيًّا لا رحمة فيه؟ كلا بل فيه، ولكنهم حرب علينا ولايريدون أن يقولوا لبلادهم، وكأن بلادهم لا تريدهم أن يقولوا -وإلا ففيم صمتهم، وفيم ممالأتهم لبريطانيا ويهودها وأفاقيها جميعًا من حثالات الأمم؟ أم ترانا لا نستحق عدل الحكم العدل؟ أم نحن لسنا بأهل لأن تقال في حقوقنا كلمة تجعل الحكم العدل يتنبه إلى أن في الدنيا شعبًا تبلغ عدته أكثر من مائة مليون وعشرين مليونًا من الأنفس البشرية قد ضربه الاستعمار اليهودي والبريطاني والفرنسي ضربات مبيرة مبيدة بغير شرف ولا ورع ولا إنسانية.

أيقال إن رجال الجامعات والمدارس، وهم أهل العلم والثقافة والأدب، ليسوا سوى جماعة يعيشون في سراديب العلم والفلسفة لا يعرفون ما يجري على