ولا تخويفهم. ولم تتوان صحف أمريكا عامة عن أن تجعل مسألة تركيا ومسألة اليونان من أعظم المسائل التي تشغل الرأي العام حتَّى يتهيأ للكونجرس أن يؤازر حكومته في سياستها التي أرادتها لدرء خطر الروس عن هذين البلدين.
كان هذا كله ليس يشك فيه أحد، ورأت أمريكا أنها إنما تؤدى بذلك حق الإنسانية عليها، وتؤدى حق المكانة التي تبوأتها عند الناس، وتؤدى ما يجب على الحكم العدل الَّذي لا يبغي إلا إقرار الحق والعدل، وإزهاق الظلم والجور.
ولكن ما الَّذي فعله هذا الحكم العدل في شأننا نحن العرب؟ كان أول ما فعله أنَّه طلب باسم الحق والعدل أن تبيح فلسطين أرضها لصعاليك الأمم فتؤويهم وتمهد لهم أن يقيموا في قلب بلاد العرب دولة يهودية تفعل بهذه العرب ما تشاء، وسكتت باسم الحق والعدل عن المحرضين من يهود بلادها على انتزاع الأرض عامرها وخرابها من يد العرب لتكون في يد صعاليك اليهود، وغفلت باسم الحق والعدل عن شعب يسكن هذه الأرض منذ آلاف السنين تريد اليهودية أن تفقره وتذله وتنتزع منه أرض آبائه وأجداده بالجور والعدوان والنذالة الحديثة التي تسمى قوة المال. ثم أرسل الحكم العدل رسلا من عنده ليدرسوا القضية مع طائفة أخرى من البريطانيين، فخرجت رسل الحكم العدل وهي ترى أن العرب أمة متأخرة، وأنه لابد لليهود من أن يستعمروا هذه الأرض ليرفعوا عن هذه الأمة المتأخرة أساطير الجهل وغشاوة البؤس - ولو أفضى ذلك إلى أن يخوضوا في الباطل خوضًا حتَّى يبلغوا الحق!
ثم جاءت مسألة مصر والسودان، فإذا نحن نموج ونضطرب ونفزع من هول الغدر البريطاني وهذه المظالم الاستعمارية، وإذا الحكم العدل يصم آذانه ويستغشى ثيابه باسم الحق والعدل حتَّى لا تروعه صرخات المظلومين والبائسين، وإذا صحافته تضن بكلمة واحدة أن تقولها في إنصاف هذا الشعب من الظالمين والباغين عليه، بل لعل أكثرها ذهب إلى خلاف هذا وألح فيه.
وليس يقول أحد وهو يَجِدُّ إن هذا الحكم العدل يجهل قضية فلسطين؛ ولو هو كان يجهلها حقًا لكان أول ما تفرضه عليه هذه الحكومة التي تبوأها في