ونلقى مجلس الأمن يدًا واحدة وعلى قلب رجل واحد أيًّا كان هذا الرجل. ونحن نعلم أن هذه دعوة قد كثر الداعوان إليها فباءوا بالخيبة مرة بعد مرة، ولكن كان العذر عندئذ قائمًا، فإن الحكومة لم تكن قد ارتفعت إلى مجلس الأمن بعد، وكان هناك مجال لشهوات الأحزاب أن ينال أحدها فضل التقدم للدفاع عن حقوق مصر والسودان. أما الآن فقد قضى الأمر، فمصر والسودان تطالب أحزابها بحقها عليها، فإذا أحجم أحدها، أو أحد رجالها، عن الَّذي تقضيه عليه حقوق الوطن، فذلك "خائن"، خائن بالمعنى الصريح التام الشامل الَّذي تنطوى عليه هذه الكلمة.
وكلمة الخيانة كلمة عظيمة نأنف أن يتصف بمعناها مصري سوداني لأنها تصم صاحبها بأنذل ما يكون في طبيعة البشر، وهي جريمة لا تغتفر، وجزاؤها جزاء لا يحد. ولا نظن أحدًا أحب أن يعرض نفسه لها راضيًا عامدًا قط، بل الظن أنَّه إنما يخطئ وجه الصواب فيقع في أقبح العيب ويخوض في أشنع العار. وقد جاءت الساعة التي توجب على كل مصري سوداني أن يقف ساعة ساكنًا هادئا مفكرًا متورعًا خشية أن يقع في هذه الخطيئة أو يلم بهذا الإثم، وأن يحرر نفسه لحظة من شهواتها الجامحة، وينفض عن قلبه غبار أعوام من الأحقاد الحزبية والسخائم الوزارية، ليتطهر لوطنه ولبلاده، وليستهدى بهدى الوطن في ساعة المحنة. إنها أعظم خطيئة يقارفها مصري سوداني منذ اليوم، لأنها خذلان لوطنه في ساعة يرى فيها الأعداء يتناهشونه من كل مكان، ويريدونه بالشر من كل ناحية، ويكيدون له أخبث الكيد في كل أرض.
ولن يضير أحدًا أن يكون له رأي يخالف هؤلاء الرجال الذاهبين إلى مجلس الأمن في شئون لا علاقة لها بمجلس الأمن، فيدع عناد الرأي إلى مناصرة الحق -بل إلى مناصرة وادي النيل في حقه الطبيعي الَّذي لا يعرف الرجال وآراءهم وسياساتهم، بل يعرف حقه على أبنائه من أي رأي كانوا، وفي أي زمن ولدوا، وعلى أي دين نشأوا. أقول هذا وأنا غير يائس من أن تجتمع كلمة هؤلاء المختلفين على هذا الحق البيِّن الَّذي لا ينازع فيه عاقل.