للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لشيء جنته أيديهم، ثم يتركونهم وادعين لا يمسهم شر ولا عنت تحت ظل هذه الدول العربية والإسلامية. وإذا كانوا يريدون أن يفتوا الناس بأن يهود هم أهل ذمة لهم ما لأهل الذمة في أحكام الإسلام، فقد أخطأوا. ولا يستطيع متأول أن يتأول على دين الله أن هؤلاء اليهود أهل ذمة أو معاهدون كما توجب أحكام الإسلام لمن يوصف بهذه الصفة. وكان حسب هؤلاء أن يأمروا الناس بالتطوع للقتال والتبرع بالمال، وأن يصفوا لهم هذه الحرب الملعونة التي تشنها علينا العصبية الصليبية من أوربة وأمريكا، وأن ينفضوا قلوب الناس حتى يبتدروا مراكزهم في صفوف المقاتلين، فإن الحرب كما يقولون جدها جد وهزلها جد. فإذا كان هذا العبث مقبولا يومًا ما، فإنه اليوم فت في عضد الأمة المسكينة التي أحاطت بها الأمم لتأكلها "أكل الضروس حلت له أكلاؤه" (١). فليقلع هؤلاء الواعظون عن عظة فيها الهلاك لأقوامهم، والذل لأبنائهم، والعبودية لبلادهم.

أما النداء الذي أذاعه علوبة باشا فقد أفزع كل حريص على خير أمته وبلاده. وكيف لا يفزع امرؤ يقرأ نداء موجهًا إلى عامة الشعوب العربية ثم شعب مصر خاصة وفيه هذه الثقة المطلقة بأن اليهود برآء من كل قادحة تقدح في إخلاصهم للقضية العربية! ! وفيه هذا اليقين الذي لا يتزلزل بأنهم سوف يجودون بأموالهم وأنفسهم في سبيل فلسطين العربية! ! ويأتي هذا البيان من رجل معروف الاسم، مشتغل بالقضايا السياسية والوطنية والعربية، ينظر إليه الشباب نظرة التوقير والإجلال لما يقول.

ونحن لا ندري هل وقف على شيء غاب عن الناس جميعًا وعرفه هو، فاستيقن أن ظاهر أمر يهود مصر غير باطنهم، وأنهم إنما يرسلون الأموال إلى الصهيونية ذرًّا للرماد في عيون الناس، وأنهم يتولون تهريب الأسلحة إلى الصهيونية رحمة بالعرب ودفاعًا عن قضيتهم، وأنهم يجمعون الشبان اليهود ليبثوا فيهم الدعوة إلى الهجرة إلى أرض الميعاد، ليدخلوا فلسطين ويكونوا عونا للعرب على إخوانهم من اليهود الصهيونيين! !


(١) الضَّرُوس: الأكُول. الأكلاء: جمع كلَأ، وهو العُشْب.