وأسبق القلم فأزعم أنى أسلم جدلا، كما يقولون، بأن كل الذي أتى به الدكتور طه صحيح في جملته وتفصيله، وأن الصورة التي أراد أن يصور بها تاريخ عثمان - رضي الله عنه - وتاريخ أصحابه ومعاصريه صحيحة أيضًا في جملتها وتفصيلها، وأزعم فوق ذلك أنى لا أخالفه في شيء منها خلافًا ما، وأنى لو كتبت تاريخ عثمان، وتاريخ الفتنة، لم أقل إلا بما قال إذ ذكر هذه الفتنة الخبيثة فقال ص ١٠٩ "فالفتنة إذن إنما كانت عربية نشأت من تزاحم الأغنياء على الغنى والسلطان، ومن حسد العامة العربية لهؤلاء الأغنياء". وأنت خليق أن تنظر في هذا التكرار لهذه الصفة "فتنة عربية" و"عامة عربية" لتعلم ماذا يريد بهذا التكرار، وما الذي يريد أن ينفيه من شركة أحد غير العرب في دم عثمان، وأنت خليق وحرى وجدور بأن تفعل هذا وأن تتأمل فتطيل التأمل؛ لأنك سوف تلقى بعد قليل شيئا جديدًا كل الجدة، وحسنًا كل الحسن؛ فما تكاد تمضي صفحات حتى ترى بابًا في ص ١٣١ يبدأ هكذا:
"وهناك قصة أكبر الرواة (المتأخرون) من شأنها وأسرفوا فيها حتى جعلها كثير من القدماء والمحدثين مصدرًا لما كان من الاختلاف على عثمان، ولما أورث هذا الاختلاف من فرقة المسلمين لم تمح آثارها بعد، وهي قصة عبد الله ابن سبأ الذي يعرف بابن السوداء. قال الرواة: كان عبد الله بن سبأ يهوديًّا من أهل صنعاء، حبشي الأم، فأسلم في أيام عثمان، ثم جعل يتنقل في الأمصار يكيد للخليفة ويغرى به ويحرض عليه، ويذيع في الناس آراء محدثة أفسدت عليهم رأيهم في الدين والسياسة جميعًا". ثم يقول:"وإلى ابن السوداء يضيف كثير من الناس كل ما ظهر من الفساد والاختلاف في البلاد الإسلامية أيام عثمان، ويذهب بعضهم إلى أنه أحكم كيده إحكامًا، فنظم في الأمصار جماعات خفية تستتر بالكيد، وتتداعى فيما بينها إلى الفتنة، حتى إذا تهيأت لها الأمور، وثبت على الخليفة فكان ما كان من الخروج والحصار وقتل الإمام".
فأنت ترى من هذا لماذا أصر الدكتور منذ قليل على أن يصف الفتنة بأنها "عربية"، وبأن العامة الذين كانوا شرار هذه الفتنة كانوا "عامة عربية" أي أنه