ليس لهذا اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ يد فيها، وأن ليس لليهود عمل في تأريث نارها. وهذا تخريج بين جدًا، لا يخالفنا فيه أحد ولا الدكتور طه نفسه فيما نعلم. ثم يمضي الدكتور في حديثه ليقول بعقب ذلك:"ويخيل إليّ أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافًا شديدًا. وأول ما نلاحظه أنا لا نجد لابن سبأ ذكرًا في (المصادر المهمة) التي قصت أمر الخلاف على عثمان، فلم يذكره ابن سعد حين قص ما كان من خلافة عثمان وانتقاض الناس عليه. ولم يذكره البلاذرى في أنساب الأشراف، وهو فيما أرى (أهم المصادر) لهذه القصة وأكثرها تفصيلا. وذكره الطبري عن سيف بن عمر، وعنه أخذ المؤرخون الذين جاءوا بعده فيما يظهر". وأُراني مضطرا أن أنقل لك أيضًا ما قاله الدكتور بعد ذلك في ترجيح رأيه وبيان حجته قال:
"ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن؟ ولكني أقطع بأن خطره، إن كان له خطر، ليس ذا شأن. وما كان المسلمون في عصر عثمان ليعبث بعقولهم وآرائهم وسلطانهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيام عثمان. . . ولو قد أخذ عبد الله بن عامر أو معاوية هذا الطارئ الذي كان يهوديًّا فلم يسلم إلا كائدًا للمسلمين، لكتب أحدهما أو كلاهما فيه إلى عثمان، ولبطش به أحدهما أو كلاهما. ولو قد أخذه عبد الله بن سعد بن أبي سرح لما أعفاه من العقوبة التي كاد ينزلها بالمحمدين (محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حذيفة) لولا خوفه من عثمان. . . ولم يكن أيسر من أن يتتبع الولاة هذا الطارئ، ومن أن يأخذوه ويعاقبوه" ثم يقول في ص ١٣٤: "فلنقف من هذا كله موقف التحفظ والتحرج والاحتياط. ولنكبر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء، وكان أبوه يهوديًّا وكانت أمه سوداء، وكان هو يهوديًّا ثم أسلم لا رغبًا ولا رهبًا ولكن مكرًا وكيدًا وخداعًا، ثم أتيح له من النجح ما كان يبتغي، فحرض المسلمين على خليفتهم حتى قتلوه". ثم يقول:"هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أن تقام عليها أمور التاريخ". هكذا يقطع الدكتور الرأي جملة واحدة! !